سنوات من الاحتيال

TT

من يعرف سلوك القيادة السورية على مدى اكثر من عقد مضى سيلحظ هيمنة الخداع في اداء الدولة الداخلي والخارجي حتى اصبحت سمة غالبة. ولا ادل من ذلك طريقة إدارتها للأزمة الحالية حيث مر عام من اختراع الحجج الملفقة، وإلتهم المزخرفة. اخترعت معارضة سمتها مثلا هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة مشابه لاسم خصومها التنسيقيات الثورية. وفتحت الباب لقيادات باسم حقوق الانسان قدمت نفسها للغرب والجامعة العربية والمؤسسات الدولية، بما فيها الامم المتحدة، كممثلة للشعب الثائر وهم محسوبون على النظام، والآن مشغولون يعدون انفسهم للتفاوض نيابة عن الشعب!

هذه سيرة طويلة لعقلية نظام مستعد لانفاق الوقت والجهد من اجل المداورة والتزييف للتهرب من التزاماته او لأشغال المجتمع بوعود لم يكن ينوي ان يحقق منها شيئا. مثلا، وباسم الاصلاح ألهت الحكومة في عام 2005 الرأي العام بإعلانات لا تتوقف عن تطورات جديدة. رئيس الوزراء العطري حينها أذاع اربعين قانونا جديدا, ونحو مائتين مرسوما رئاسيا، واكثر من خمسمائة مرسوما تنظيميا. معظمها كانت مجرد وعود بلا نية لفعل شيء، فقط لاقناع المواطن ان القادم افضل، وإيهام الخارج بان سوريا تغيرت بعد اغتيالها الحريري واصبحت دولة جديدة.

والاحتيال للتكسب المالي ابرز سمة لها، بغرض نهب الخزينة العراقية أقنعت الحكومة السورية نظام صدام حسين في السنوات الثلاث الاخيرة قبل الغزو بالاتكال عليها بتصدير نفطها الرئيسي من كركوك العراقية الى بانياس السورية ولم تدفع له شيئا مقابله. وهي تفعل الشيء نفسه الان مع حكومة نوري المالكي الذي يغلق الحدود للتضييق على المعارضة امام تهريب السلاح والغذاء للمناطق الثائرة على النظام في جنوب سوريا، ويقوم بتمويل كريم جدا لحاجات النظام، نفس النظام الذي كان سببا في سبع سنوات من الارهاب في العراق. وكانت الحكومة السورية تتاجر على الجانبين، بلا مباديء، تبيع خدماتها للجميع، حيث باعت لايران تجارة ما يسمى حينها بالمجاهدين العرب لارسالهم الى العراق لنشر الارهاب. وفي نفس الوقت باعت للأميركيين في عام 2005 بعض أقارب وأعوان صدام، بعد ان منحتهم اللجوء، بينهم سبعاوي ابراهيم، احد اخوة صدام.

ومن اجل تهدئة الخواطر المحلية في الداخل السوري تجاه الوضع المتردي في السنوات العشر الماضية، وكذلك حيال التغلغل الايراني في سوريا، كانت كل فترة وأخرى تخترع قصة عن تعاون ضخم. فقد ردد الاعلام الرسمي السوري حكاية ان القطاع الخاص الايراني تعهد ببناء مدينة صناعية فيها مصنع عملاق للحديد بانتاجية سنوية تصل الى ثمانمائة الف طن، ومحطات كهرباء عملاقة، ومصانع اخرى، وسيبني الإيرانيون خمسين الف وحدة سكنية للمواطنين السوريين. واعلن ان ثمن تلك المدينة الأكذوبة ثمانية مليارات دولار! طبعا لم يبن شيء مما أوهمت به الحكومة السورية مواطنيها من ان التعاون مع ايران يستحق المعارك الخارجية.

ولرفع توقعات الانسان السوري وقعت قبل سبع سنوات حكومة الاسد اتفاقيات مع الصين وروسيا وايران وفنزويلا لبناء مصافي نفطية، ايضا لم يبن شي منها.

ولان النظام يجيد التدليس اكثر من العمل فقد قرر بعد وعود طويلة فتح بنوك خاصة، أعطى اربع رخص لبنوك لبنانية مشتركة مع سوريين، وبنك سعودي وآخر أظن انه اردني، لكنها لم تفتح الاقتصاد كما وعدت المستثمرين والمواطنين. ولو ان الحكومة فعلا قررت الاصلاح الاقتصادي لربما تغيرت أوضاعها وتحسن اقتصادها لكنها لم تكن تعرف كيف تطور الاقتصاد المحلي، فهي مثل تنظيم مافيا كل قدراته تقوم على الخداع والمتاجرة بالأعمال المحظورة.

وفي محنتها الحالية لم تكف عن بيع الأوهام للدول الكبرى محاولة تقليد نظام صدام في خلال سنوات عزلته بتوقيع بروتوكولات تجارية كريمة تمنح المتعاملين معها صفقات مغرية ثمنا لخرق العقوبات، الفارق ان سوريا ليست بلدا نفطيا كالعراق. ولانها لا تبيع نفطا باعت ديونا مستقبلية، يقال ان الحكومة السورية باعت سندات مالية هدفها استدانة نحو عشر مليارات دولار من الصين وروسيا، والتي ستتحول الى ديون ملزمة على النظام السوري مستقبلا، سواء نجا هذا النظام ام سقط وخلفه غيره.

وما نراه حاليا من وعود وعهود ليست الا حلقة اخرى من نظام احترف الاحتيال طويلا، لكن حتى حبل الكذب الطويل ينتهي في وقت ما.

[email protected]