بن علي: عودة الروح

TT

هل بدأت حركة النهضة التونسية تخسر سريعا ما استثمرته في الثورة على نحو ما راهن عليه كثيرون..

هذا على الأقل ما توحي به من مفارقة إقدام سلطة يفترض أنها وصلت إلى الحكم عبر ثورة شعبية على التعامل مع المتظاهرين السلميين بقوة وقسوة.

فالمظاهرات التي سارت في شارع الحبيب بورقيبة في يوم شهداء الثورة ووجهت بقمع قاس من الأمن حيث ضُرب المتظاهرون وسحل عدد منهم وتعرضوا لإصابات بليغة في حادثة أعادت إلى الأذهان ذكريات مريرة من عهد زين العابدين بن علي. ما زاد من القلق منع الصحافيين من توثيق الهجمة الأمنية على المتظاهرين، وهي هجمة شارك في جزء منها متشددون إسلاميون، بحسب روايات ناشطين، وقد حال أولئك المتشددون دون تمكن مصورين من تسجيل ما جرى في شارع الحبيب بورقيبة. فقد سجل وجود عناصر متسللة هاجمت المصورين الصحافيين وكسرت آلاتهم بسبب تسجيلهم لتفاصيل الاعتداء على المتظاهرين.

ما جرى يعد سابقة جديدة في تونس ما بعد الثورة.

سابقة دفعت بنقابة الصحافيين التونسيين إلى التهديد باللجوء إلى القضاء الدولي لتوفير الحماية للإعلاميين التونسيين. وهنا يبدو معبرا شريط الفيديو الذي أعده ناشطون وبثوه عبر «فيس بوك» حيث جرى استعراض تصريحات زين العابدين بن علي في بداية الثورة، حين اتهم المتظاهرين بأنهم مخربون، وكلام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الأخير الذي يدين أيضا المتظاهرين على نحو بدا مشابها لما كان يقوله بن علي..

الشريط المذكور لا يوحي أبدا أن الأول طاغية، وأن الأخير خرج من سجون الطاغية لتوصله الثورة إلى الحكم..

المظاهرات الأخيرة في تونس لم تحظَ باهتمام إعلامي بارز، إما بسبب الاعتداء ما حال دون تسجيل العنف الواقع على الناشطين، وإما بسبب تمكن السلطة من ضبط المادة المعروضة أمام الرأي العام. هنا لا يسعنا سوى تكرار الحمد والشكر لـ«يوتيوب»، وما أتاحته لنا وسائل التواصل الاجتماعي لنسمع ونرى ونعرف.

عبر «يوتيوب» شاهدنا المدونة والناشطة فاطمة الرياحي من على سريرها في المستشفى في تونس حيث تقبع جراء كسر ظهرها وكتفها على يد الأمن التونسي. الرياحي المعروفة باسم «فاطمة أربيكا» هي أحد الوجوه البارزة للثورة، وروت ما حدث معها، مذكرة إيانا أن الأمن هو نفسه وأن العقلية الأمنية لا تزال تطبق على الحياة العامة..

عاش التونسيون في ساحة بورقيبة ملامح حية لما كانت عليه البلاد في زمن زين العابدين بن علي، وهي ملامح لم ينسوها بعد، لكنهم صدقوا ربما أنها باتت وراءهم. لكن يبدو أن التونسيين بدأوا يعيدون النظر في الفرصة التي منحوها لحركة النهضة فبدأوا يختبرون معنى سلطتهم وسطوتهم ومدى سهولة انجراف شخصيات من نوع المنصف المرزوقي وراء خيارات الحركة.

هناك من صور تونس وكأن ثورتها قامت بهدف انتخاب حركة النهضة..

الكثير يتبدل وما القمع الذي حدث في شارع بورقيبة سوى مؤشر جديد على تصدعات أساسية تطال علاقة الحركة بالرأي العام التونسي.

diana@ asharqalawsat.com