من أجل حقوق القطة

TT

أثناء استراحتي من تدقيق وثائق المسألة الفلسطينية في مركز الوثائق البريطانية بلندن، خطر لي أن ألقي نظرة على وثائق حقوق القطة، التي لم تدرج بعد مع الأسف ضمن وثائق الأمم المتحدة.

لفت نظري أثناء ذلك، أن دراسة حقوق القطط أجدى بكثير من دراسة حقوق الإنسان التي لا يعبأ بها أحد، كما نلاحظ ذلك بأم أعيننا في سوريا.

فكان أن رأيت كيف أن المستر ودمان، مدير القطط في مدينة ساوثامبتون، كتب إلى ديوان الوزارة عام 1870 تقريرا مسهبا عن أحوال القطط، فقال: «إن العلاوة المخصصة لها، وهي 12 بنسا في الأسبوع، غير كافية لإعاشة ثلاث قطط مسؤولة عن ردع الجرذان من قضم وثائق حكومة صاحبة الجلالة. إن تكلفة اللحم فقط تبلغ 12 بنسا في الأسبوع. وتقوم السيدة تايد، زوجة حارس البناية، بإنفاق ثمانية بنسات من كيسها الخاص لشراء حليب للقطط. وبناء على هذه الظروف، فينبغي زيادة علاوات البسات بمبلغ ستة بنسات أخرى لكل أسبوع».

وجر موضوع الحليب إلى مراسلات طويلة استغرقت إضبارتين. فقد أجابت الوزارة عن طلب المستر ودمان بتزويدها بتفاصيل التكلفة. تقول: «يرجى إعلامنا بتكلفة إدامة القطة الواحدة بصورة دقيقة مع كيفية حساب ذلك. ولكم جزيل الشكر».

أجاب مدير القطط عن طلب الوزارة برسالة قال فيها: «إن تكلفة الحليب تبلغ ستة بنسات. وتكلفة اللحم تبلغ 15 بنسا في الأسبوع، علما بأن الكميات المجهزة تختلف من يوم إلى يوم، حسب مزاج كل قطة وشهيتها للأكل. ولكن السيد المدير سيكتفي بتخصيص 18 بنسا أسبوعيا».

أجاب السيد المدير العام عن ذلك بكتاب مستعجل وعلى الفور. قال فيه: «أوصي بتخصيص 12 بنسا في الأسبوع فقط لإطعام القطط في المؤسسة، على أن تحاولوا الاقتصاد في إغراء القطط على شرب الحليب المخلوط بالماء».

بعبارة أخرى، كان المدير العام يحث موظفيه على غش الحليب، لأنه إذا كان ذلك ينطلي على البشر من أمثالنا، فإنه لم يمر على القطط الإنجليزية التي اكتشفت حقيقته فورا وامتنعت عن استهلاكه. هذا ما لاحظته من جواب ناظر القطط، إذ يقول في جوابه: «نحن نزود القطط بحليب خالص غير مخلوط بالماء، لأن القطة الإنجليزية ترفض تماما أن تشربه مخففا ومخلوطا بالماء».

منتهى الدلال والدلع من جانب القطط البريطانية. أبناء البشر في عالمنا الثالث يعيشون على الحليب المغشوش والخبز المخلوط، والقطط الإنجليزية تأبى حتى النظر إلى أي لبن من دون كريمة كاملة. وبالفعل، عبر المدير العام عن سخطه على هذا الدلال. والظاهر - كما خطر لي - أنه كان رجلا لا يحب القطط كبقية الشعوب الأوروبية. كان ينظر لمسألة حقوقها القططية باستخفاف، بل وبشيء من اللؤم. فبعد أن اقترح غش الحليب المخصص لهذه الحيوانات الظريفة، عاد في عام 1891 فكتب إلى الناظر باقتراح لا يقل مهانة لأمة القطط، فقال: «هل من الضروري حقا تخصيص أي معاشات لهذه المخلوقات؟ أفلا يمكن تغذيتها بما لديكم من فضلات الطعام؟».

حديث القطط وما أدراك ما حديث القطط! أفضل من كل أحاديث الجامعة العربية ومناقشات مجلس الأمن.