إيران: انخفاض في إنتاج النفط وشلل في حركة ناقلاته

TT

بينما العالم مشغول بمسألة أين تستأنف المفاوضات حول برنامج إيران النووي، في إسطنبول أم في بغداد، وهل يضع شروطا مسبقة أم يدخل القاعة وينتظر لاعبي الشطرنج الإيرانيين يحركون الحجارة لكسب الوقت، نرى أن إيران الداخل مشغولة بوضعها الاقتصادي، لأن الآثار الفعلية للعقوبات الدولية بدأت فعلا تضرب، خصوصا في قطاع الطاقة، وعاد الصراع بين فريق الرئيس محمود أحمدي نجاد وفريق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي يتصاعد وسط تبادل الاتهامات حول تعيينات سياسية في مناصب تقنية حساسة، مما أدى إلى إدارة خاطئة وإخفاقات.

خلال مناقشة صاخبة عقدت في المجلس الأعلى للأمن القومي في ما يتعلق بالتدابير المتخذة في قطاع الطاقة في ظل العقوبات الدولية، وكان جرى تقديم موعد المناقشة بعد إعلان سويسرا وأوروبا عن قطع العلاقات مع المصارف الإيرانية بوقف التعامل بالـ«سويفت»، قدمت توصيات لرمي تكلفة المقاطعة على المواطنين والمستهلكين. خلال المناقشة حذر رؤساء قطاع الطاقة أنه نظرا للصعوبات المتراكمة فإنهم لن يكونوا قادرين على مواصلة عملهم كالمعتاد من دون التعويض عن الخسائر في مداخيلهم. ونظرا لتوقعات بفرض عقوبات دولية أشد، حذر رئيسا «شركة النفط الوطنية الإيرانية» و«الشركة الوطنية الإيرانية لناقلات النفط» من أنهما سيضطران إلى صرف الكثير من الموظفين، وهذا من شأنه أن يكون خطوة مدمرة ستصل تداعياتها إلى كل الاقتصاد الإيراني.

انتقد ممثلو المجلس الأعلى للأمن القومي الإدارة الفاشلة لقطاع الطاقة، بما في ذلك التعيينات السياسية غير المهنية التي أدت إلى الفشل الكبير. واقترح وزير النفط رستم قاسمي أن يضخ «البنك المركزي الإيراني» الأموال إلى هذه الصناعات أو رفع أسعار السلع الاستهلاكية. وتقرر في نهاية النقاش أن يتم رفع هذه التوصيات إلى «القائد الأعلى» للموافقة عليها في غضون أسابيع.

خلال النقاش انتقد رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي أداء رئيس الجمهورية والتعيينات التي روج لها في قطاع الطاقة من قبل «رفاقه في الحرس الثوري».

هذه الجلسة عقدت يوم السبت في 17 مارس (آذار) الماضي، وبين أبرز المشاركين، إضافة إلى جليلي ووزير النفط قاسمي، كان الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي قبل أيام قليلة من هذه الجلسة ألقى كلمة في مدينة كرج قال فيها إن العقوبات هي للتأثير النفسي فقط، وكان أيضا محافظ البنك المركزي محمود بهماني، ووزير الاقتصاد سيد شمس علاء الدين حسيني، ورئيس شركة النفط الوطنية أحمد قلباني (مقرب من أحمدي نجاد)، ورئيس الشركة الوطنية لناقلات النفط حميد بهبهناني، وبعض مسؤولي الأمن القومي. تناول النقاش أولا وقبل كل شيء وضع الطاقة في إيران حاليا، التي هي الدعامة الرئيسية للاقتصاد الإيراني.

حذر وزير النفط قاسمي من خطر فقدان النظام لدخله من النفط والغاز، وقدم رئيسا شركة النفط وشركة الناقلات مراجعة عن وضع شركتيهما، معلقين على الأخطار الوشيكة التي تهدد استقرارهما. وقال قلباني (شركة النفط الوطنية) إن الزبائن الحاليين قللوا من كمية النفط التي يشترونها (على سبيل المثال أوروبا والصين)، كما أن هناك انخفاضا في إنتاج النفط. وقال إنه، حتى عندما يتم بيع النفط، بات من الصعب جدا الحصول على عائداته، ولفت إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن المستهلكين الأوروبيين سيوقفون شراء النفط الإيراني في شهر يوليو (تموز) المقبل (قرار المجموعة الأوروبية). وأشار قلباني إلى أن مستهلكي النفط الخام في جنوب شرقي آسيا طلبوا أن تتضمن العقود المستقبلية بندا ينص على أنه لن يكون مطلوبا منهم تعويض الجانب الإيراني عن أي صفقة، في حال عدم القدرة على نقل النفط من إيران بسبب صعوبات التأمين أو لأسباب أخرى، أو لعدم القدرة على دفع ثمن كميات النفط المشتراة، بسبب العقوبات المالية (أصحاب مصفاة يابانية طلبوا تعزيز هذا البند).

أما المدير العام للشركة الوطنية لناقلات النفط بهبهناني فقال خلال النقاش إن التحدي الأكبر لشركته هو صعوبة تأمين ناقلات النفط ببوليصة تأمين تكون مقبولة دوليا، وحسب ما قال فإن سبب ذلك هو أن أندية التأمين الدولية بدأت تسحب تأمينها لناقلات النفط الإيرانية. وقال بهبهناني إنه نظرا لعدم وجود التأمين المطلوب فإن ناقلات الشركة غير مخول لها تفريغ حمولتها أو التحميل في معظم الموانئ في العالم، وفي الواقع فإن نشاطها مشلول تقريبا. وأشار إلى أنه بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة الديون والقروض التي اقترضتها الشركة من مصارف أوروبية، ومن كوريا الجنوبية والصين، التي تطالب بتسديدها فورا بسبب المقاطعة، وقال: «حسب هذا المعدل فإنه لن يكتب لنا البقاء»، وحذر من أنه «سيكون علينا إعادة ناقلاتنا إلى جزيرة كيش، وإرسال الموظفين إلى بيوتهم». وقال: «هناك عشرات الآلاف من الموظفين يعتمدون فقط على صناعة النفط، لكن أول المفصولين سيكونون عمال الصيانة والتشغيل، لتوفير النفقات الروتينية».

وعندما قال قاسمي وزير النفط إنه لتعويض خسائر الشركتين هناك طريقتان؛ التمويل الحكومي أو رفع أسعار السلع الاستهلاكية، أجابه جليلي: «لو أن الدكتور (لقب أحمدي نجاد) نفذ إلغاء الدعم بشكل صحيح، ولم يعتمد فقط على النيات الحسنة للمواطنين، لربما كان بالإمكان أخذ المال من مكان ما». كان جليلي يشير إلى الرسائل الهاتفية التي وجهها مكتب الرئيس إلى الملايين من الإيرانيين، حيث طلب من ذوي الدخل المرتفع استخدام موقع «رفاهي» لإلغاء تسجيلهم للبدل الشهري الذي يتلقونه تعويضا عن خفض الدعم.

لاحقا تحولت المناقشة إلى المشكلات القائمة في قطاع النفط، وانتقد رئيس لجنة الطاقة في مجلس الأمن القومي الإخفاقات الكثيرة التي حدثت في قطاعي النفط والغاز العام الماضي ولم يتم التعامل معها. وقال جليلي إن عناصر من مجلس الأمن القومي ومكتب خامنئي انتقدوا أخيرا التعيينات السياسية في قطاع الطاقة، التي أدت الى فشل إدارة القطاع لعدم وجود صيانة. الرئيس أحمدي نجاد رفض بشدة الادعاءات بشأن التعيينات، وقال إن جزءا كبيرا من الإخفاقات يعود إلى إهمال السنوات السابقة، وإن بعض التعيينات السياسية فرضت عليه من مكتب «القائد»، وأشار بالتحديد إلى مجتبي، ابن خامنئي.

في الجزء المتعلق بتداعيات المقاطعة المالية، وخصوصا فصل المصارف عن نظام «سويفت» قال محافظ البنك المركزي بهماني إن القرار الأوروبي ليس لديه تأثير كبير مباشر على النظام المصرفي الإيراني، لأنه حدد بعض المصارف الإيرانية وليس كلها أو المصرف المركزي. وكتدبير إضافي للتعامل مع هذه الأزمة، كان أعلن عن استعداد إيران لقبول العملة المحلية مقابل صادراتها (بما في ذلك النفط)، إذ أشار إلى «استعداد إيران قبول الذهب بدلا عن اليورو والين». وقال أيضا إن هناك توجها لعقد صفقات قائمة على المقايضة.

خلال المناقشة قدم حسيني وزير الاقتصاد التحليل الذي أعده مكتبه، حيث توقع حدوث ركود اقتصادي في السنة الإيرانية المقبلة (بدأت في الـ21 من الشهر الماضي)، وسيكون هذا واضحا في انخفاض حقيقي لإجمالي الناتج المحلي.

هذا لا يعني أن إيران ستستسلم، فهي قد تجد يد الإنقاذ تمتد إليها من «البنك الإسلامي للتنمية» لتلتف على العقوبات الغربية التي فرضت على مصرفها المركزي. وفي حين أن المسألة لا تزال موضع نقاش، يمكن لـ«البنك الإسلامي للتنمية» أن يقدم للقطاع الخاص الإيراني خطوط ائتمان لإجراء معاملات مع القطاع الخاص في الدول الإسلامية الأخرى، بما في ذلك الدول العربية. التوقعات ترجح أن يتجاوب «البنك الإسلامي للتنمية» مع طلبات إيران، إذ إن أحمد محمد علي المدني رئيس «البنك الإسلامي»، وعلى أثر اجتماع عقده مع وزير الاقتصاد الإيراني شمس علاء الدين حسيني، قال إنه راض عن مستوى التعاون بين «البنك الإسلامي للتنمية» وإيران، وإنه سينظر في سبل تسريع تنفيذ المشاريع التي وافق البنك على تمويلها.