إطلالة الدوري العسكرية.. هذا ما يريده المالكي لتصعيد حربه الطائفية!!

TT

ظهور نائب الرئيس العراقي الأسبق، عزة إبراهيم الدوري، للمرة الأولى منذ سقوط نظام صدام حسين قبل نحو 9 أعوام، وهو بملابسه العسكرية، وتلاوته بيانا في الذكرى الخامسة والستين لتأسيس حزب البعث حذر فيه من تزايد نفوذ إيران في العراق، يدل على أن هناك مستجدات عراقية تشكل بيئة لتذكر هذا النظام الذي مات وشبع موتا، وأهم هذه المستجدات هو هذا التشنج الطائفي بين الشيعة والسنة الذي أوصلته تصرفات رئيس الوزراء، نوري المالكي، إلى ذروة التأزم، وبما بات ينذر بإمكانية تجدد الحرب الطائفية التي أغرقت هذا البلد في الدماء في سنوات سابقة في ذروة سطوة ووجود القوات الأميركية.

في بيانه هذا شن الدوري هجوما عنيفا على نوري المالكي، وحذر دول المنطقة من أن «الخطر الصفوي» سيهدد العالم كله إن لم يجر التصدي له في العراق، وهذا يشير إلى كم أن الشعب العراقي بات بغالبيته مستعدا لسماع مثل هذا الكلام، وكم أن الوضع الإقليمي غدا يعيش تخوفات حقيقية وفعلية من التمدد الإيراني الزاحف، وبخاصة بعدما اتضح مدى تورط إيران في الوقوف إلى جانب بشار الأسد في حربه الهمجية ضد شعبه، وتورطها أيضا في الشؤون الداخلية البحرينية واليمنية والفلسطينية وأيضا المصرية.

والمفارقة هنا هي كما أن عزة الدوري قد ظهر بملابسه العسكرية وخلفه حراسه، كما كان عليه الوضع أيام صدام حسين، لمناسبة الثامن من مارس (آذار)، أي في الذكرى الخامسة والستين لتأسيس حزب البعث، لينعش ذاكرة العراقيين بالنسبة لحرب الثمانية أعوام ضد إيران الخمينية، التي كان البعثيون يعتبرونها حربا قومية عربية شنها هذا الحزب ضد «الصفوية الجديدة»، كذلك فإن بشار الأسد، الذي أورثه والده ليس موقع الرئاسة والحكم وكل هذه النزعة الدموية فقط، بل وأيضا زعامة هذا الحزب قوميا وقطريا، قد لجأ هو أيضا بدوره إلى إحياء هذه الذكرى بتسيير مظاهرة في دمشق حملت صوره وصور والده ليس لشجب تورط الإيرانيين في التدخل في الشؤون الداخلية السورية بالطبع، وإنما لإشعار السوريين والعرب والعالم بأنه لا يزال صامدا، وأنه يحظى بشعبية كبيرة، وأنه قادر على الانتصار في هذه المعركة الحاسمة والمصيرية.

والغريب أن بشار الأسد لم يجد ما يستنجد به، وهو يعيش هذه الأيام العصيبة، إلا استعادة ذكرى تأسيس حزب البعث ورفع أعلامه فوق رؤوس المتظاهرين الذين استقدموا إلى ساحة العباسيين في دمشق رغم أنوفهم من كل مراكز ودوائر عملهم وكل المناطق السورية، وذلك مع أن هذا النظام نفسه، الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان قد أصدر على «الرفيق القائد المؤسس» لهذا الحزب، ميشال عفلق، حكما بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى!! كما كان قد ارتكب جريمة اغتيال الشريك الآخر في هذا التأسيس الذي هو صلاح الدين البيطار، في باريس، حيث كان لجأ إلى العاصمة الفرنسية، التي كان تخرج في إحدى جامعاتها في بدايات أربعينات القرن الماضي، ليصدر من هناك مجلة فكرية - سياسية باسم «الأحياء»، وهو الاسم الذي كان مقترحا في البدايات لحزب البعث العربي الذي غدا حزب البعث العربي الاشتراكي بعد انضمام أكرم الحوراني إليه في عام 1954.

وحقيقة.. إن استنهاض عزة الدوري للعرب ضد المد «الفارسي الصفوي»، الذي توغل كثيرا في العراق والذي أنشأ رؤوس جسور في سوريا وفي لبنان من خلال حزب الله وفي فلسطين من خلال حركة حماس وفي اليمن من خلال الحركة الحوثية، من خلال تذكيرهم بحزب البعث، ليس في محله، فهذا الحزب مع أن بداياته كانت واعدة عندما تأسس في الثامن من مارس عام 1947 ومع أنه بقي واعدا ومقبولا، فإنه تحول ليصبح حزبا انقلابيا دمويا بعد وصوله إلى الحكم إن في سوريا في عام 1963 وإن في العراق في عام 1968.

ربما أن إطلالة عزة الدوري هذه، التي جاءت بعد اختفاء دام نحو تسعة أعوام، قد أنعشت الأمل باستعادة الماضي لدى بعض أعضاء حزب البعث وبعض مناصريه، لكنها وفي كل الحالات قد جاءت لتسلح نوري المالكي بحجج هو بأمس الحاجة إليها الآن ليبرر سلسلة التصفيات والاعتقالات التي قام بها، والتي لا يزال يقوم بها ضد سنة العراق بحجة أنهم بعثيون وأنهم من أتباع صدام حسين ومتورطون في محاولات انقلابية لاستعادة النظام السابق والقضاء على: «هذا النظام الديمقراطي والتعددي في العراق»!!

غير معروف من أين كان يتحدث عزة الدوري، هل من بغداد أم من الموصل أم من أي مدينة عراقية أخرى أم من إحدى الدول العربية البعيدة أو القريبة، لكن ما كان يجب أن يعرفه هو أنه بإطلالته العسكرية التي قد تكون أنعشت بعض البعثيين السابقين وبعض العراقيين المتضررين من هذا النظام الذي يقف على رأسه نوري المالكي بطائفيته الكريهة الطافحة، قد وضع في يد رئيس الوزراء العراقي كل الأسلحة السياسية التي يريدها للانتقام من خصومه في الطائفة الشيعية الكريمة نفسها، وأيضا من خصومه الأكراد، بالإضافة إلى من يعتبرهم خصوما من أبناء الطائفة السنية.

هناك الآن عدم استقرار في هذه المنطقة كلها، وحقيقة أن هناك تطورات مرتقبة كثيرة متوقفة على الكيفية التي سينتهي إليها هذا الصراع المحتدم في سوريا، والمؤكد أن أسوأ الاحتمالات وأخطرها هو أن ينتصر نظام بشار الأسد في هذه المعركة، فانتصاره هو انتصار لإيران وهو انتصار للتطلعات الفارسية في الشرق الأوسط كله، وهذا يتطلب جدية عربية بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة ترتقي إلى مستوى الجدية السعودية والخليجية، فالتحديات الإيرانية للعرب كلهم بلا استثناء لم تعد بحاجة إلى أدلة وبراهين وإثباتات، وهناك مثل يقول: «عليك ألا تبحث عن أثر الذئب بينما الذئب نفسه واقف أمامك مكشرا عن أنيابه».

إذا انتصر بشار الأسد على انتفاضة الشعب السوري، كما تكهن سيرغي لافروف وكما قال نوري المالكي أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، وهو لن ينتصر، فإن إطلالة عزة الدوري العسكرية ستكون مبررا لمذابح ضد المعارضين من سنة وشيعة وأكراد وكلدانيين وآشوريين وتركمان في العراق، وهي ستكون سببا لإضافة محازبي البعث العراقي إلى قائمة الذين يتهمهم نظام عائلة الأسد بأنهم عصابات مسلحة وأنهم قتلة ومجرمون يستهدفون «سوريا الثورة وحلف المقاومة والممانعة»!!

غريب فعلا هذا الظهور المفاجئ لعزة الدوري بملابسه العسكرية، وغريب أن تغلب على بيانه، الذي تلاه من مخبئه غير المعروف بصفته الأمين القومي والأمين القطري (العراقي) أيضا لهذا الحزب الذي انتهى إن في العراق وإن في سوريا نهاية مأساوية، الصيغة الطائفية وأن يشير إلى الطائفة الشيعية العراقية، التي كان أبناؤها يشكلون نحو 76 في المائة من أعضاء هذا الحزب، على أنها «الصفوية» الجديدة، وهذا يعني أنه يطرح حزبه على أنه هو الحل وأنه حزب السنة مقابل حزب الدعوة بقيادة المالكي الذي يطرح نفسه على أنه حزب الشيعة.

إنها دعوة كريهة ونتنة سواء جاءت باسم حزب البعث أو جاءت وفقا لممارسات المالكي الطائفية البغيضة وتصرفه منذ احتكاره موقع رئيس الوزراء على أن الولاية الحقيقية في هذا البلد العربي هي لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وأن العراق ولاية إيرانية، ويبقى هنا أنه لا بد من الإشارة إلى أن بيان عزة الدوري قد تجاهل ما يجري في سوريا التي لها حزبها البعثي الآخر الذي كان بينه وبين بعث العراق ما صنع الحداد، حيث تواصلت بين الحزبين حروب سرية ومعلنة اتخذت الطابع الإرهابي في مرات كثيرة منذ نهايات ستينات القرن الماضي وحتى لحظة سقوط نظام صدام حسين في عام2003.