هل تبدد أميركا الشحن الدولي الموجه ضد إيران؟

TT

تتمتع الولايات المتحدة بمركز تفاوضي قوي وهي مقبلة على المحادثات المقرر عقدها، يوم الجمعة المقبل، مع إيران بشأن برنامجها النووي، حيث تلوح في الأفق احتمالات شن هجوم عسكري إسرائيلي وشيك، ويعاني الاقتصاد الإيراني من مشكلات كبيرة نتيجة العقوبات التي فرضت بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على البنك المركزي الإيراني وصادرات النفط الإيرانية. وعلى الرغم من كل تلك الضغوط الهائلة على النظام الإيراني، فإنه لم تكن طهران بل الولايات المتحدة هي التي تلمح إلى استعدادها لتقديم تنازلات، مما يهيئ الساحة لتبديد كل ذلك الزخم غير المسبوق الذي قامت واشنطن بتعبئته ضد إيران.

وتتردد أنباء عن نية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مطالبة إيران بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم المتقدمة التي تقوم بها، وهو موقف تحدثت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن بعض تفاصيله في تعليقاتها التي أدلت بها إلى الصحافة أول أبريل (نيسان) الحالي. كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأحد الماضي، نقلا عن دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين، أن واشنطن تعتزم التمسك بضرورة غلق إيران لموقع تخصيب اليورانيوم الذي أقامته في فوردو، داخل أحد الجبال بالقرب من مدينة قم.

ويبدو أن الهدف من تلك المطالب هو التخفيف من تهديدات نشوب نزاع على المدى القريب، عن طريق إيقاف تقدم إيران نحو امتلاك يورانيوم عالي التخصيب يصلح للاستخدام في تصنيع أسلحة، مما قد يقلل من الوقت الذي تحتاج إليه طهران من أجل تصنيع قنبلة نووية. كما تهدف هذه المطالب إلى الحيلولة دون ممارسة طهران لأنشطتها النووية تحت سطح الأرض، بعيدا عن متناول الضربات الجوية. وبعبارة أخرى، تسعى تلك المطالب إلى منع إيران من دخول ما سماه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك «منطقة الحصانة»، أو تجاوز نقطة لا يعود بعدها توجيه ضربة عسكرية قادرا على إنهاء أنشطة التسلح النووي التي تقوم بها.

وهذا المنهج به عيبان كبيران؛ الأول أنه سيكون خطأ من الناحية الاستراتيجية التركيز بنظرة ضيقة على القلق من توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية على المدى القريب، فالمفاوضون الأميركيون عليهم أن ينتبهوا إلى التهديد الأساسي الذي يمثله برنامج إيران النووي، فرغم أن إنتاج إيران لليورانيوم عالي التخصيب وأنشطتها التي تقوم بها في فوردو تعد مثيرة للقلق، فإن هذين لا يمثلان سوى مظهرين من برنامج نووي أوسع بكثير يفتقر إلى أي أساس منطقي مدني مقنع (ذلك أن الأسباب الطبية من تلك النوعية التي تدعيها طهران لا يمكن أن تبرر الشروع في برنامج تخصيب بهذا الحجم الذي قامت بإنشائه) وظلت خطوط العمل الرئيسية به - من تخصيب اليورانيوم في موقع ناتانز، وإنشاء الوحدة الموجودة في فوردو، وإجراء البحوث المتعلقة بالتسلح النووي - محاطة بستار من السرية إلى أن تمكنت وكالات الاستخبارات من كشفها.

ثانيا، حتى إذا قبلت إيران بتلك المطالب، فإن الوضع الراهن سيعود بدرجة كبيرة إلى النقطة التي أعلنت عندها إدارة الرئيس أوباما أول اقتراح قدمته من أجل التوصل إلى حل وسط في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، والفارق هو أن إيران، منذ عام 2009، تمكنت من تكديس كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب وإجراء مزيد من البحوث والتطوير لأجهزة طرد مركزي وصواريخ باليستية جديدة، وأغلب الظن أنها انخرطت في أعمال أخرى تتعلق بالأسلحة النووية لم تظهر إلى النور بعد، وربما تكون محاطة بغطاء من السرية بعيدا عن أعين الحكومات الأجنبية.

وسوف تحصل إيران على فوائد كبرى في مقابل عودتها إلى وضع سابق أفضل، حيث يرجح أن تعرض واشنطن مجموعة من الالتزامات من أجل الامتناع عن فرض عقوبات جديدة وتخفيف العقوبات الحالية، وهو ما سيعطي إيران مهلة تستريح خلالها من الضغوط المرهقة التي واجهتها مؤخرا، إضافة إلى تقديم حافز آخر أكبر قيمة، وهو إعطاء مشروعية ضمنية لقيام إيران بمستويات أدنى من أنشطة تخصيب اليورانيوم، وهو ما ظل لفترة طويلة مثار سخط غربي. كما سيصبح لدى النظام الإيراني غطاء للاحتفاظ بمنظومته وبنيته التحتية النووية والانخراط في نشاط نووي آخر، مثل تحسين أجهزة الطرد المركزي الحالية وتطوير أجهزة جديدة أقل اعتمادا على المواد المستوردة. كذلك تستطيع إيران استغلال ذلك الهدوء المؤقت من أجل تعزيز إمكاناتها الفنية، والتأهب لاستئناف مسيرتها النووية لاحقا بمعدل سريع.

وبدلا من التركيز بنظرة ضيقة على غلق منشأة فوردو وتعليق برنامج إيران للتخصيب العالي لليورانيوم، على الولايات المتحدة أن تصر على أن تعلق إيران كل أنشطة تخصيب اليورانيوم التي تمارسها، وأن تتخذ خطوات من أجل إزالة مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها النووية، بما في ذلك الاعتراف بجميع أبحاث التسلح النووي التي أجرتها، وأن تخضع لعمليات مراقبة وتحقق شاملة. ولا يوجد في هذا أي نوع من المبالغة، فهذه النقاط هي ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1929 والقرارات السابقة له، التي سبق أن وافقت عليها بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا (وهي مجموعة الخمسة زائد واحد). كما ينبغي على إدارة الرئيس أوباما أن تصر على تراجع إيران عن كل الأعمال التي قامت بها منذ صدور تلك القرارات، مثل نقل مخزون اليورانيوم المخصب الموجود لديها إلى خارج البلاد، وتفكيك منشأة فوردو، وإيقاف العمل على تطوير أجهزة الطرد المركزي.

وإذا اتخذت إيران تلك الخطوات، ففي هذه الحالة فقط سوف تتأكد الولايات المتحدة وحلفاؤها من أنها لن تستغل المفاوضات من أجل كسب الوقت أو استكمال إمكاناتها من الأسلحة النووية. ويجب على واشنطن أن تواصل الضغط إلى أن تفعل إيران ذلك، وأي شيء أقل من هذا سيكون إهدارا لزخم نفيس استغرق سنوات في بنائه، وسوف يضفي شرعية على استراتيجية التحدي والاستفزاز والتسويف التي ينتهجها النظام الإيراني.

* خدمة «واشنطن بوست»