أوباما في ولايته الثانية؟

TT

واشنطن - سوف يختتم باراك أوباما فترته الأولى كرئيس للولايات المتحدة بعد ستة أشهر. ومع زيادة حدة الحملة الانتخابية أصبح الرئيس أوباما بالفعل بمثابة البطة العرجاء.

يعترف مؤيدو أوباما أنه أمضى جزءا كبيرا من فترة الرئاسية الأولى في التحدث عن الماضي وتحميل الرئيس السابق جورج بوش مسؤولية كل الأخطاء الموجودة في الولايات المتحدة.

يوضح الحديث مع أصدقاء وأعداء أوباما الصورة التي يزعمون أنه سيكون عليها خلال فترة ولايته الثانية.

ترى، ماذا سيفعل أوباما خلال فترته الثانية، في حال فوزه؟

يزعم الرئيس والأشخاص المقربون منه أنه في حال إعادة انتخابه فإنه سيظهر شخصيته الحقيقية ويكشف عن السياسات التي لم يجرؤ على تبنيها خوفا من فقدان فرصة الفوز بآخر انتخابات في حياته المهنية.

وفي حال صدق تلك الادعاءات فسوف يكون أوباما في فترته الثانية أقرب إلى اليسار منه في الفترة الأولى، وسيمضي قدما في مخططه الرامي إلى فرض ما يسمى بـ«قانون أوباما للرعاية الصحية»، والتي ستحصل الولايات المتحدة بموجبه على خدمات صحة وطنية على النمط الأوروبي. وبموجب تلك العملية سوف تسيطر الدولة على ما يقرب من 12 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، في ما يعد أكبر توسع للقطاع العام منذ ثلاثينات القرن العشرين.

وعقب الزيادة الهائلة في الدين الفيدرالي حاول أوباما بالفعل تبني سياسة اقتصادية على النمط الأوروبي، تقوم على ترشيد عجز الموازنة. وسوف يحاول أوباما في فترته الرئاسة الثانية الموازنة بين تبني تلك السياسة وفرض زيادة كبيرة في الضرائب، بداية بإلغاء التخفيضات الضريبية التاريخية التي تم تبنيها في عهد بوش، مما سيسهل عليه محالة إقناع الناس بفكرة الاقتصاد المختلط، تلعب الدولة بموجبه دورا قياديا. وبموجب تلك السياسات الجديدة سوف يعتبر ما تبقى من استراتيجية الرئيس رونالد ريغان الاقتصادية، التي نشأت مع محاولة ريغان رفع القيود وتحرير التجارة، جزءا من الماضي.

وفي ما يتعلق بالسياسية الخارجية، يعتقد أوباما أن الولايات المتحدة قد تصرفت، في الكثير من القضايا، كقوة «استعمارية» مختالة بقوتها، وأنه ينبغي عليها التكفير عن أخطائها. وقد قام أوباما بالاعتذار مرارا وتكرارا في شتى أنحاء العالم، ولكنه لم يجرؤ، قبل إعادة انتخابه، على تبني بعض السياسات التي من شأنها ترجمة تلك الاعتذارات إلى واقع مادي، ولكنه سيتمكن من تبني تلك السياسيات في حال إعادة انتخابه.

قدم أوباما بعض الإشارات على الصورة التي يرى بها العالم، حيث إنه يؤمن أننا نتجه نحو عالم «متعدد الأقطاب» تكون فيه الولايات المتحدة لاعبا ضمن الكثير من اللاعبين الآخرين في العالم.

يعتقد أوباما أنه حتى في الوقت الذي تبرز فيه الحاجة لاستخدام القوة الأميركية للحفاظ على سياسة ما، فإن أفضل طريقة للولايات المتحدة للقيام بذلك هي تولي «القيادة غير المباشرة». سوف يكون إعادة انتخاب أوباما بمثابة الخبر السار للكثير من الأنظمة حول العالم.

سوف يستفيد نظام بوتين في موسكو من إعادة انتخاب أوباما، حيث إن أوباما، على عكس منافسيه الجمهوريين المفترضين، على استعداد للاعتراف بروسيا كقوة مساوية في أوروبا والشرق الأوسط.

كان لدى بوتين بعض الشكوك حول قيام إدارة بوش بإضمار بعض المخططات الرامية إلى تغيير النظام في روسيا، ولكن تلك المخاوف سوف تتلاشى في الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، مما سيعطي بوتين الحرية في استعادة جزء على الأقل من منطقة النفوذ التي خسرتها روسيا بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية. وخلال اجتماعاته الأخيرة مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، تعهد أوباما بأن يكون «أكثر مرونة» في عدد من القضايا، وبخاصة قضايا الصواريخ والترسانات النووية، بعد إعادة انتخابه. وسوف تخفف تلك المرونة من الضغوط التي تشعر بها روسيا في إطار جهودها الرامية إلى تحديث ماكينتها العسكرية.

كما يستفيد القادة الشيوعيون في الصين أيضا من إعادة انتخاب أوباما، حيث سيتخلى، بعد تحرره من الحسابات الانتخابية، عن دعم الدالاي لاما المثير للجدل ويضع نهاية للهجة التي تتبناها واشنطن في الحديث عن موضوع حقوق الإنسان في الصين.

وكان أوباما قد نجح على مدى ما يقرب من أربع سنوات في إخفاء كراهيته لإسرائيل، تلك الكراهية التي شكلها عندما كان شابا راديكاليا في نيويورك، ولكنه سوف يؤيد القضية الفلسطينية ويمارس ضغوطا على إسرائيل لتنفيذ سيناريو الدولتين خلال فترته الثانية.

وفي ما يتعلق بالصراع القديم مع نظام الخميني، سوف يوافق أوباما خلال فترته الثانية على البرنامج النووي الإيراني ويعترف بإيران كقوة إقليمية، وسوف يجنب الولايات المتحدة ما تبقى من مخاطر التدخل في العراق ويقوم بإنهاء الوجود الأميركي في أفغانستان في أسرع وقت ممكن.

وفي ما يتعلق بأميركا اللاتينية، سوف يقوم أوباما في فترته الثانية بمد الجسور مع الأنظمة ذات التوجهات اليسارية والتي غيرت من المشهد السياسي في الفناء الخلفي للولايات المتحدة.

إذن، هل تعتقد أن أوباما سيقوم بتغيير جذري باتجاه اليسار في الولايات المتحدة ؟

بعد الاستماع إلى بعض المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن في خلال الأسبوع الماضي، فإن إجابتي هي أنه ليس بالضرورة أن يقوم أوباما بهذا.

تعتمد الدعاية الانتخابية الخاصة بإعادة انتخاب أوباما لفترة ثانية على ادعاء أنه ورث الولايات المتحدة وهي على مشارف كارثة، وأنه أنقذها من تلك الكارثة، ولكن هذا يعتبر بمثابة إعادة إحياء لحملة الكراهية الموجهة ضد بوش التي استخدمها منذ أربع سنوات. وعن طريق نشر الشائعات الخاصة بالتحول إلى التوجهات اليسارية في فترته الرئاسية الثانية، يحاول أوباما حشد قاعدته الراديكالية وبث جرعة آيديولوجية في حملته الانتخابية.

ومن الناحية العملية يعتبر إحداث تغييرات جذرية في السياسيات الأميركية الداخلية والخارجية أمرا غير محتمل، وذلك لعدة أسباب.

بادئ ذي بدء، تتبنى غالبية المواطنين الأميركيين في هذا التوقيت وجهات نظر يمينية في معظم القضايا الرئيسية، ورغم ذلك لا يزال أوباما يتملك الفرصة للفوز بفترة رئاسة ثانية، إذ لا يتوقع أن يقدم الجمهوريون مرشحا قويا للانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من ذلك فلن يفوز أوباما بفترة رئاسية ثانية فقط لتبني تحولات جذرية باتجاه اليسار، حيث يعزى نجاح ريغان في قيادة الولايات المتحدة في اتجاه اليمين إلى اعتماده على الغالبية التي تبنت هذا الاتجاه بالفعل.

وهناك حقيقة أخرى، ألا وهي أن السلطات المخولة للرئيس الأميركي في الوقت الراهن لصياغة أجندة وطنية تقل كثيرا عما كان الوضع عليه قبل عشرين عاما، وأن مثل هذا النوع من الآيديولوجيات الديمقراطية الاجتماعية التي يزعم أصدقاء وأعداء أوباما أنه يتبناها تلائم بعض القوى الأوروبية الصغيرة مثل النرويج والسويد، لا قوة عظمى مريضة لها عدد كبير من الأعداء في شتى أنحاء العالم.

وقد يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن أحدا لا يعرف من هو أوباما الحقيقي، فربما كان في شبابه شخصا راديكاليا يساريا مساندا للقضية الفلسطينية، ولكنه قد يكون قد لجأ إلى مثل هذا الاتجاه لحاجته إلى قناع يمكنه من أن يجد لنفسه مكانا في السياسات الداخلية في نيويورك وشيكاغو. وفي نفس الوقت تلقى أوباما تعليما مكلفا وكان ثريا كفاية للانغماس في مجال السياسة بدلا من البحث عن كسب لقمة العيش.

أعتقد أن أوباما لا يضمر أفكارا خطيرة، باستثناء إعادة انتخابه.