أنا لست ميت رومني

TT

قالت صحيفة «بوليتيكو» الأسبوع الماضي إنه منذ إعلان الرئيس باراك أوباما الترشح لفترة رئاسية ثانية، لا تزال حملته الانتخابية تكافح من أجل العثور على شعار يلخص سبب دخوله الانتخابات. ولا يزال أوباما حائرا بين عدة شعارات، مثل «الفوز بالمستقبل» و«لا يجب أن ننتظر» و«أميركا خلقت لكي تستمر» و«ضربة موفقة».

يصف بروس نيومان، وهو أحد مستشاري الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أوباما قائلا «إنه يوجد في كل مكان». وعلى هذا الأساس، ينبغي أن يكون الشعار الأكثر دقة لحملة أوباما حتى الآن هو «أنا لست ميت رومني». وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن ميت رومني – وهو حاكم جمهوري ليبرالي سابق - قضى كل حملته الانتخابية في التنصل من ماضيه، فإنه للمرة الأولى في التاريخ يمكن لكلا المرشحين وبصورة مشروعة استخدام الشعار نفسه في حملتيهما الانتخابيتين، وهو «أنا لست ميت رومني».

وتكمن المشكلة في أن رومني كان قد تبنى مشروعا للحزب الجمهوري لتخفيض الميزانية كان قد اقترحه عضو الكونغرس بول ريان، والذي يقترح تقليل العجز الهيكلي بعيد المدى بطريقة لن تؤدي فقط إلى جعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرا، لكنها ستحرم البلاد أيضا من سبل الإنفاق غير المشروطة اللازمة لتنفيذ أكثر الأمور التي نحتاجها، وهو بناء الأمة من الداخل. لقد قام ريان بالتأكيد على عمل تخفيض كبير في الإنفاق لتحقيق التوازن في الميزانية على المدى الطويل، لكن هناك بعض البنود الأساسية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها.

إذن، ما الذي نحتاجه من المرشح الرئاسي في هذا التوقيت؟ إننا بحاجة إلى خطة موثوق بها للقيام بثلاثة أمور محددة: تخفيض عجز الموازنة العامة والإصلاح الضريبي وتعزيز الاستثمار. وفي الوقت الذي تتحسن فيه حالة الاقتصاد، يجب علينا خفض الإنفاق، بما في ذلك كل برامج التأمين الوطني، لمعالجة العجز الهيكلي على المدى الطويل في الموازنة. ينبغي علينا أيضا زيادة الإيرادات عن طريق القيام ببعض الإصلاحات الضريبية، كي لا نقوم فقط بتمزيق شبكة الأمان الخاصة بنا، وبذلك ستتوافر لدينا المصادر، ليس فقط لاستخدامها في مجال الدفاع ولكن في الاستثمار في كل المجالات التي تجعلنا أمة عظيمة، مثل التعليم والبنية التحتية وجودة المؤسسات الحكومية والأبحاث الممولة من الحكومة.

وأخيرا، يجب أن تحظى تلك الخطة بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بما لا يمكن المرشح الذي يتبنى تلك الخطة من الفوز في الانتخابات فقط، وإنما لكي يكون لديه تفويض لتنفيذها في ما بعد.

وعلى كل حال، فشلت خطة موازنة ريان - رومني في هذا الاختبار، حيث تقول مايا ماكغينيس، وهي رئيسة لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة غير الحزبية، إن هذا المشروع لا «يحمي الفئات المحرومة»، ولا يتضمن زيادة الضرائب على الأغنياء «بصورة واضحة»، لذا فليست هناك أي فرصة أمام تلك الخطة لتحظى بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وعلى الجانب الآخر، اقترح أوباما خطة موازنة تمتد لعشر سنوات، وهي تعد أفضل بكثير من خطة ريان في خلق توازن في ما يتعلق باحتياجاتنا على المدى القصير، بهدف إعادة تنشيط الركائز الرئيسية التي أدت إلى نجاح الولايات المتحدة من خلال تخفيض عجز الموازنة العامة والإصلاح الضريبي وتعزيز الاستثمار، لكنها لا تعالج الخلل المالي طويل المدى بصورة معقولة، وهو الأمر الذي يتطلب خفض الإنفاق على الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي.

وتقول لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة «إن موازنة الرئيس خطوة على الطريق الصحيح لخفض العجز، لكنها ليست كافية. ففي الوقت الذي ستؤدي فيه الخطة إلى تثبيت الديون كنسبة معينة من الاقتصاد على مدار النصف الثاني من العقد الحالي، فإنها سوف تقوم بذلك بمعدل عال جدا، ومن دون إجراء الإصلاحات الضرورية في برنامج التأمين الوطني لتقليص الديون على المدى الطويل. إنه بحق لأمر مخيب للآمال للغاية ألا يقوم الرئيس بدعم هذا المقترح بخطة كبيرة بالدرجة الكافية للتعامل مع التحديات المالية التي تواجهها البلاد على المدى المتوسط والطويل».

وفي شهادته أمام الكونغرس، قال وزير الخزانة تيم غيثنر «حتى لو قام الكونغرس بالموافقة على تلك الموازنة، فسوف تظل هناك بعض الالتزامات التي لا يمكن تحملها في مجال الرعاية الصحية والطبية، حيث ستتم إحالة ملايين المواطنين الأميركيين إلى التقاعد في العقود القادمة».

ولذلك، فإن برنامج الرئيس أيضا تنقصه خطة طويلة المدى لتخفيض عجز الموازنة العامة والإصلاح الضريبي وتعزيز الاستثمار بالحجم الذي نحتاجه وبطريقة تمكن البرنامج من أن يحظى بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي كي يكون قابلا للتطبيق. ويأخذنا هذا الأمر إلى نقطة الخلاف الجوهرية مع استراتيجية الرئيس، حيث إنني أعتقد أنه كان يتوجب عليه قبول توصيات لجنة سيمبسون - باولز، الخاصة بالعجز والتي شكلها بنفسه، حيث إنها عرضت خطة لخفض النفقات وعمل إصلاحات ضريبية تتناسب مع حجم المشكلة، وهي الخطة التي حظيت ببعض الدعم من قبل الحزب الجمهوري على الأقل، وبدعم ساحق من المستقلين، حتى إن نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية في الكونغرس، قالت إنها كانت «مستعدة بشكل تام للتصويت لصالح تلك الخطة».

ولو كان أوباما قد تبنى التوصيات طويلة المدى الخاصة بلجنة العجز، لسنحت له الفرصة الآن لدمج تلك التوصيات مع بعض الحوافز على المدى القريب - مثل الاستثمارات في البنية التحتية - وهو الأمر الذي كان سيدعم الاقتصاد ويزيد من عدد الوظائف. ومن دون دمج خطة أوباما مع توصيات لجنة سيمبسون - باولز، فلا يمتلك أوباما أي فرصة للحصول على المزيد من الحوافز.

ويقول أوباما إن خطته تتضمن أفضل ما جاء في توصيات لجنة سيمبسون - باولز، وهو كلام غير صحيح بالمرة، كما أنه يفتقر إلى السياسة أيضا. ولن يقوم الجمهوريون بالتصويت لصالح «خطة أوباما» أبدا، لكن لو كان أوباما قد تبنى توصيات لجنة «سيمبسون - باولز» المشكلة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأضاف الحوافز الخاصة به على تلك الخطة، لكان قد أدى إلى حدوث انشقاق داخل الحزب الجمهوري وجذب كتل المستقلين، بما سيمكنه من أن يرفع رأسه بفخر ويقول بصدق إن لديه خطة لإصلاح كل ما يتطلب إصلاحه. ولو كان أوباما قد تبنى هذا النهج، لكان سيتمكن من إغضاب حزب الشاي وجناح اليسار الذي ينتمي له، وهو الأمر الذي كان سيظهره في صورة الزعيم القوي القادر على اتخاذ الخيارات الصعبة، وكان أيضا سيتمكن من الإطاحة بخطة رومني - ريان ووضعها على الهامش.

وبدلا من ذلك، يعمل أوباما على خطة أقل مثالية - في الوقت الذي يجب فيه أن تكون لدينا الخطة الأكثر مثالية على الإطلاق - وعلى شعار «أنا لست ميت رومني». وإذا كان أوباما محظوظا، فقد يفوز بالانتخابات بفارق ضئيل للغاية، لكن لو كان أوباما قد تصرف بصورة مغايرة وتجرأ على أن يكون زعيما، لتمكن من الفوز في الانتخابات بالقطع، وكانت البلاد ستربح معه أيضا، لأنه كان سيمتلك في تلك الحالة تفويضا للقيام بما يجب القيام به.

* خدمة «نيويورك تايمز»