المسلم الخفي والكافر المارق!

TT

بعد إعلان عضو الكونغرس الأميركي ريك سانتوريوم انسحابه من سباق الترشح عن الحزب الجمهوري لمنصب رئيس الولايات المتحدة، خلا الطريق لحاكم ولاية ماساتشوستس الأسبق ميت رومني ليكون هو المرشح المعتمد عن الحزب ليواجهه الرئيس الأميركي باراك أوباما عن الحزب الديمقراطي.

ويبدو أن الانتخابات الرئاسية هذه المرة ستشهد «ملحمة» من نوع مثير آخر، وإن كان بشكل مختلف عما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جاءت ولأول مرة وبشكل تاريخي برئيس أميركي من أصول أفريقية لمنصب الرئاسة كاسرة ومحطمة «قيود» العقدة العنصرية المتطرفة التي تحملها النظام السياسي لعقود طويلة من الزمن.

ويبدو أن «بطل» الانتخابات المقبلة سيكون الهوية الدينية للمرشح بالإضافة إلى برنامجه الاقتصادي. فالهوية الدينية للمرشحين مسألة مهمة، فها هو ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري يصل إلى هذه المكانة المهمة في حزبه المحافظ الذي كانت الجماعات الأصولية البروتستانتية المتطرفة بدأت تسيطر عليه سيطرة مهمة وتؤثر عبر ثقلها الواضح في ولايات الجنوب على المرشح المختار، ولكن رومني يجيء من ولايات الشمال، فهو ولد في ولاية الصناعات التقليدية، وخصوصا السيارات، ميتشيغان، وكان حاكما لولاية ماساتشوستس ويعيش في ولاية نيوهامبشير المجاورة، وهو ينتمي إلى ديانة أو تحديدا طائفة «المورمون» التي يعتقد أتباعها أنها دعوة «تجديدية» للمسيحية التقليدية عبر نبي جديد أرسل للناس في أميركا، بينما تعتبرهم سائر الطوائف المسيحية أتباع فئة «ضالة ومارقة»، وأن من يتبعهم هم «مهرطقون».

وهي نظرة أكثر حدة وقوة مما تعرض له الرئيس الأميركي الأسبق الذي رشح نفسه وفاز وأصبح أول رئيس أميركي كاثوليكي، وكانت نقلة نوعية في الوجدان السياسي الأميركي المعروف بتعصبه البروتستانتي.

وفي الجانب الآخر هناك فئة «كبيرة» تصل إلى 30 في المائة في بعض الولايات ممن يعتقد أن الرئيس الأميركي الحالي باراك حسين أوباما هو في الحقيقة مسلم ولكنه يخفي دينه عن الناس ولا يجاهر به! هذا على الرغم من علانية ظهور أوباما في الكنائس وممارسة جميع الشعائر والطقوس والمشاركة في المناسبات والاحتفالات الكنسية المسيحية، إلا أن الشك بل واليقين عند البعض لا يزال قائما.

ولكن يبدو من الواضح أن الهوية الدينية للمرشحين في أميركا اليوم هي مسألة يرغب في تخطيها تماما، بحيث لا تصبح القضية ذات مغزى أو معنى ويمكن بعدها أن تستطيع أميركا أن ترشح يهوديا أو بوذيا أو مسلما لمنصب الرئيس (قد يبدو أن رئيسا مسلما مسألة واسعة وبعيدة المنال، ولكن على الجانب النظري على أقل تقدير).

ولكن التحدي الثاني هو البرنامج الاقتصادي لكل مرشح، على الرغم من أن باراك أوباما يتعرض لحملة شديدة من النقد الموجه إليه من منافسيه بخصوص برنامج الرعاية الصحية المعروف شعبيا باسم «أوباما كير» لما يعتبرونه تأميما للخدمات الصحية وتقوية دور الدولة والحكومة على حساب الحرية الاقتصادية وحرية الاختيار للمواطن، ولكن هذه المسألة تحديدا التي حولها خصوم أوباما للمحكمة العليا للحكم عليها فيما إذا كانت دستورية أو مخالفة للدستور، وبالتالي يتم إيقاف العمل بها، لا يستطيع منافسه ميت رومني أن ينتقدها كثيرا لأنه إبان فترة حكمه لولاية ماساتشوستس قدم للولاية نفس البرنامج الصحي تماما «قبل» برنامج أوباما نفسه، بل إن أوباما اعتبر برنامج ميت رومني الملهم لبرنامجه!

التحسن المطرد في أداء الاقتصاد الأميركي والتحسن التدريجي البطيء في معدلات التوظيف للشركات وأداء الأسواق الاقتصادية المالية للبورصة الأميركية، وكذلك تحسن مستويات التصنيع والاستهلاك، تقوي حجة أوباما وتدحض حجة منافسه بأنه «اشتراكي»، ويريد تأميم أميركا ويناصر الفقراء على حساب الأثرياء الذين ينتمي إليهم ميت رومني رجل الأعمال الثري صاحب الثروة الكبيرة.

وسياسيا، أوباما لديه علاقة مضطربة مع بنيامين نتنياهو على المستوى الشخصي، فالرجلان «لا يطيق أحدهما الآخر»، وعلى العكس تماما ميت رومني ونتنياهو يعدان بعضهما «أعز الأصدقاء» بحسب مقال نشرته «نيويورك تايمز» الصحيفة المعروفة.

وهناك عنصر آخر جدير بالمتابعة، وهو دور المرأة في هذه الحملة، فالأصوات النسائية بأغلبها تميل وبقوة لصالح باراك أوباما الذي من دون عنصر مفاجئ شاذ وغريب مرشح لأن يهزم وبقوة ميت رومني الذي قابلت أحد مستشاري فريقه للعلاقات الخارجية وقال لي «الرجل جيد ولكننا غير قادرين على إقناع الناس به»، وهذا يكفي.

[email protected]