تمييز عنصري

TT

بقيت أجور القطط العاملة في البريد البريطاني ثابتة لم تتغير منذ نهاية الحرب العظمى، ولم يظهر من يأخذ على عاتقه الدفاع عن حقوقها أو رفع مستوى معيشتها. لقد انشغل الجميع بحقوق المرأة ووعد بلفور واستقلال الهند، وتناسى الساسة كليا أحوال البسس. لكن ذلك لم يدم طويلا.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية انشغلت حكومة العمال برئاسة المستر أتلي بمشروع الصحة الوطني والتعليم المجاني للجميع، وحقوق العمال في الضمان الاجتماعي، ونحو ذلك من إصلاحات لا تعني أي شيء بالنسبة للقطط، ولا تمس شعرة واحدة من ذيلها. بيد أن حكومة العمال سرعان ما انهزمت في الانتخابات أمام المحافظين، والمعروف أن الاشتراكيين يشغلون أنفسهم دائما بشؤون العمال، في حين أن المحافظين تعنيهم أحوال القطط والكلاب.

في عام 1953، وتحت إدارة ونستون تشرشل، لاحظ أحد النواب الغبن الذي تعرضت إليه قطط البريد لسنوات، لا سيما في آيرلندا الشمالية. كان هناك نوع من التمييز العنصري بين القطط الإنجليزية والقطط الآيرلندية. طرح النائب من آيرلندا الشمالية هذا السؤال على وزير البريد «أيمكن لمعالي الوزير أن يعلن لهذا المجلس كم هي أجرة القطة في آيرلندا الشمالية.. وكيف تقارن أجورها بأجور القطط في لندن؟».

وأوقع السؤال معالي الوزير في ما يسميه العرب «حيص بيص»، كما نستشف من جوابه «يؤسفني أن أجيب سيدي الفاضل بأن هناك بعض الفوضى في ميدان استخدام القطط في دوائر البريد».

وتناول الموضوع السير ديفيد غان، مساعد المدير العام للبريد، فأعلن لمجلس العموم «الحقيقة أن الأجور تختلف من مكان لآخر. ربما حسب كفاءة الحيوان والعوامل الأخرى. ولم يكن من السهل تصميم أي خطة لعمل القطط حسب إنتاجيتها، أو حسب علاوات العمل. وبالإضافة لذلك، تتميز هذه المخلوقات العاملة في خدمة الدولة بأنها تقوم بعملها بصورة جلية واضحة، فهي متقلبة في أداء واجباتها حسب مزاج القطط، وكثيرا ما تغيب عن العمل لمدد طويلة».

وأضاف السير ديفيد غان أن بعض القطط استطاعت الحصول على امتيازات خاصة، على الأكثر لأغراض هيبة المؤسسة ومكانتها. كما أن بعض دوائر البريد أعطت القطة الحامل والوالدة مخصصات حمل وأمومة. وبخلاف ذلك فقد بقيت أجور القطط العاملة مجمدة منذ عام 1918. ولكن كما قال نائب مدير البريد العام «لم تتلق الدائرة شكاوى من أحد».

وكانت هذه آخر مناقشة في البرلمان البريطاني في موضوع حقوق القطط وضمانها الاجتماعي. فسرعان ما أخذ الكومبيوتر والإيميل معظم مهمات المراسلة والإعلام، وسرحت هيئة البريد الكوادر القططية من العمل.

لا أدري.. لربما يتساءل بعض القراء فيقولون «ما هذه الشطحة من القشطيني عن البسات والهررة؟».. وهذا جوابي: ألا تجدون الحديث عن حقوق القطط أفضل من الحديث عن العمال العرب واللاجئين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين وكل المعذبين من أبنائنا؟ لا أدري.. لكنني شخصيا وجدت الكتابة عن القطط أحلى وأعذب من الكتابة عن الإنسان، والإنسان العربي على وجه الخصوص.