المنبر الديمقراطي: حالة سورية أخرى

TT

يكاد يتفق المتابعون للوضع في سوريا على أن ثمة انسدادات في واقع المعارضة السياسية هناك، وأحد تعبيرات الانسداد يمثله انقسام المعارضة، وهو يوزعها على أربع كتل سياسية، أولها المجلس الوطني ثم هيئة التنسيق الوطنية، والمجلس الوطني الكردي، ثم مجموعة كبيرة من الأحزاب والجماعات السياسية الموجودة داخل وخارج البلاد.

وثمة تعبير آخر في انسدادات المعارضة السورية يجسده عجز المعارضة بكتلها وتنظيماتها المختلفة عن الاستجابة لضرورات المرحلة السياسية الراهنة، ليس باتجاه تحقيق وحدة سياسية لها تتجاوز من خلالها واقع الانقسام الحاد والوصول إلى صياغة توافقات تعزز دورها في الحياة السورية وفي معالجة الأزمة الحالية التي تصيب سوريا والسوريين، وتجعلهم خارج ما صاروا إليه نتيجة السياسات الأمنية - العسكرية التي تتابعها السلطات السورية منذ أربعة عشر شهرا.

لقد استدعت انسدادات المعارضة جهودا كثيرة في داخل البلاد وخارجها للخروج من الوضع القائم، بما يفرضه من تحديات تتعلق في الأهم من مستوياتها الداخلية بمطالبة الحراك السوري بوحدة المعارضة، وتقدم الأخيرة لمواجهة مهماتها في التصدي للواقع السوري وما يحيط به من تداعيات سياسية، تشمل احتمالات سقوط النظام، وإعادة بناء سوريا باتجاه نظام ديمقراطي تعددي، يحقق للسوريين العدالة والمساواة وتحديث الدولة والمجتمع، وهي مهمة تجد في المحيط الإقليمي والدولي من يربطها بضرورة وحدة المعارضة السورية، باعتبارها مدخلا لدور تؤديه المعارضة في المواجهة القائمة والمستقبلية مع النظام ومن أجل إسقاطه، في حال قرر المحيط الإقليمي والدولي الدخول في عملية إسقاط النظام، سواء في إطار عملية سياسية أو من خلال تدخل عسكري يقارب التدخل الغربي في ليبيا.

غير أنه ولأسباب متعددة تتعلق بواقع المعارضة من جهة وبالظروف الإقليمية والدولية المحيطة، فإن المعارضة لم تتمكن من مواجهة انسداداتها المستعصية، الأمر الذي شجع جهودا سياسية ومدنية موزعة بين الداخل السوري والمهجر للبحث عن حلول ومعالجات، هدفها إعادة تحريك وتجديد المعارضة، وهو سياق جاءت في مساره ولادة المنبر الديمقراطي السوري في فبراير (شباط) بهدف بلورة تعبير ديمقراطي سوري، يمثل تجربة تكاد تكون مختلفة عن معظم التجارب السياسية الراهنة، تجربة تسعى إلى تكثيف وتوسيع المشاركة السياسية والشعبية في الشؤون العامة، لا سيما في الشأن السياسي، بما يعنيه ذلك من تقوية لحس المواطنة ومسؤولية المواطن في الاهتمام بشؤون بلده، خصوصا في زمن الثورة.

وشاركت في التجربة فعاليات من داخل سوريا والمغتربات، وكثير من الأخيرين هاجروا بفعل السياسات العسكرية - الأمنية، ورسمت التجربة أسس قيام المنبر باعتباره كيانا ديمقراطيا، تلتقي فيه تيارات فكرية وسياسية وفعاليات ميدانية، هدفها خلق وإشاعة خطاب سياسي فاعل، يخدم أهداف الثورة وتحقيقها في الحرية والكرامة والعدالة، وبناء دولة ديمقراطية تعددية قائمة على سيادة القانون والمساواة بين جميع السوريين بلا تمييز، وإعلان دستور يؤكد تداول السلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحصر دور الجيش وقوى الأمن في حماية البلاد وسلامة ترابها ووحدة أراضيها، وإخضاعهما للسيادة الشعبية والمحاسبة.

وأكد المنبر عند إطلاقه مهمات مرحلية تقع في صلب اهتمامه، في مقدمتها التأكيد على ضرورة استمرار الحراك الشعبي السلمي، وتوحيد قوى المعارضة وإيجاد تحالفات سياسية، تتيح القيام بمهمات مشتركة في السير نحو التغيير، والعمل لإجبار النظام على وقف العمليات العسكرية والأمنية في كل البلاد وإطلاق المعتقلين في إطار حل سياسي يوفر دماء السوريين ويحفظ كرامتهم وممتلكاتهم، التي يتم التفريط فيها من جانب النظام وبعض معارضيه.

ووقف المنبر بوضوح في مواجهة العنف الرسمي الذي أدى إلى التسليح والعسكرة مع ما يترتب عليهما من نتائج، لعل الأخطر فيها احتمالات حرب داخلية، يمكن أن تتوسع إلى حرب إقليمية وتدخلات دولية مسلحة من شأنها تدمير سوريا، كما أعلن وقوفه في مواجهة أي دعوات وممارسات طائفية من شأنها الإضرار بالسلم الأهلي ووحدة المجتمع وحرف الثورة عن أهدافها.

ولعل الأهم في تجربة المنبر الديمقراطي، ليس دخوله على خط محاولة خلق إطار نوعي جديد داخل الحراك السياسي والاجتماعي، يقارب ما فعلته لجان إحياء المجتمع المدني في استنهاض الحياة السورية في العقد الماضي، ودفعها نحو إعادة تأسيس نشاط سياسي وثقافي سوري تحالفي، ولا في تحديد المهمات الأساسية للحراك السياسي والشعبي الراهن فقط، بل في محاولتها خلق آليات تعزز النهوض السياسي من جهة، وتقوي الحراك الشعبي من جهة ثانية، وهو ما يجسد بالفعل خلق حالة سورية جديدة.