أميركا واللوبي الإيراني!

TT

أقرأ حاليا كتاب «الشيطان الذي نعرفه.. التعامل مع إيران كقوة عظمى» (The Devil We Know، Dealing With The New Iranian Super power)*

وبعد أن شارفت على الانتهاء من قراءة الكتاب بفصوله الأحد عشر تبين لي الدور الكبير الذي يلعبه اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأميركية للتأثير على القرار السياسي المتعلق بالعلاقات الأميركية - الإيرانية ليصب في مصلحة النظام في طهران من خلال تسويقه لنظام الملالي في الغرب بصفة عامة وفي الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص على حساب الأطراف العربية المتضررة من الطموحات التوسعية والتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية كالبحرين، وسوريا، ولبنان، واليمن، بل واحتلال أراضيها، كالإمارات العربية المتحدة، والعراق.

ومن أكثر النقاط أهمية في الكتاب: تقديم الكاتب لإيران على أنها أكثر عقلانية من العرب في تعاملها مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، وأن الحكم عليها يجب أن يكون على أفعالها وليس على تصريحات مسؤوليها تجاه أميركا. ويعيد ذلك إلى كون إيران دولة شيعية ذات تاريخ إمبراطوري وحضاري عريق متمثل في الحضارة الفارسية، مما يؤهلها لتكون شريكة للولايات المتحدة الأميركية لوجود تلك العوامل الحضارية المشتركة بين البلدين، وهو ما لا يتوافر لدى الدول السنية الأخرى في المنطقة، في ترويج واضح وفاضح من قِبَل الكاتب للطائفية السياسية، ليس فقط على مستوى الأفراد والمنظمات، بل وعلى مستوى العلاقات الدولية. وفي تناقض لافت يقدم الكاتب إيران على أنها الشيطان الذي يجب أن تخشاه أميركا بما لديها من قدرات عسكرية، ومن قدرة على حشد انتحاريين لإلحاق الأذى بأميركا والغرب، بل ويذهب بعيدا للترويج للنظام في طهران، ليقول إن عزله من قِبَل أميركا سوف يجبره على الارتماء في أحضان روسيا والصين، مما سيضر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في الخليج العربي والمنطقة ككل.

وتحدث الكاتب عن جولة المفاوضات الثانية في تاريخ العلاقات الإيرانية - الأميركية بعد قيام الثورة الإيرانية، التي عقدت في شهر مارس (آذار) 2007م في أحد المواقع الحكومية العراقية في بغداد؛ حيث قدم الإيرانيون مطالبهم للأميركيين وهي:

أولا: الاعتراف الأميركي بالدور الإيراني في العراق.

ثانيا: الحصول على ضمانات أميركية بعدم المساس بالجبهة الداخلية الإيرانية وعدم دعم أميركا للسنة في عربستان.

ويبين الكاتب أن كلا الطلبين لم يكن مستغربا من قِبَل الأميركيين؛ فإيران أسهمت إسهاما كبيرا في الاحتلال الأميركي للعراق، وبالتالي دورها في العراق ملموس ومقدر، لكن السؤال الذي يجب التوقف عنده، حسب قول الكاتب، هو: ما المقصود بالاعتراف بالدور الإيراني في العراق؟ هل كان هذا يعني أن تحل إيران محل حلفاء أميركا عند انسحابهم من العراق، أم أن المطلوب تسليم العراق إلى إيران؟ ويجيب الكاتب قائلا: ببساطة، الإيرانيون أرادوا أن يقدموا أنفسهم على أنهم قوة مسؤولة في المنطقة بالإمكان الاعتماد عليها، خاصة بعد مساهمتهم الفاعلة في احتلال العراق. وقد بيَّن الكاتب أن تلك المطالب كانت معقولة وواقعية.

ويثير الكاتب سؤالا مهما هو: هل بإمكاننا (أي الأميركيين) أن نثق بهم (أي الإيرانيين)؟ ويجيب: من المستحيل معرفة ما يدور في العقل الإيراني، لكن إن رغبت أميركا في معرفة الفرق بين ما يقوله الإيرانيون وما يفعلونه، فليس هناك دليل واحد على أنهم سوف يشعلون حربا عالمية ثالثة. ما ينبغي علينا، نحن الأميركيين، فعله هو أن نطلب الهدنة مع الإيرانيين والدخول معهم في مفاوضات للوصول إلى حل للقضايا العالقة، الواحدة تلو الأخرى، حتى يخف التوتر لديهم، بعدها، ربما، حصلنا منهم على أشياء أكثر. ويتساءل الكاتب مرة أخرى: ماذا يريد الإيرانيون من الغرب، وبالأخص من الولايات المتحدة الأميركية؟ وماذا على الغرب أن يقدم لهم؟ ويبين: إذا أردنا الإجابة الصحيحة عن ذلك السؤال، لا بد لنا أن نتعرف على القيادات الإيرانية، وكيف يفكرون. ويبين المؤلف أن هذا ما كشفه لنا الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، في مقابلة حضرها في طهران، بيَّن فيها رفسنجاني أن إيران على استعداد للدخول في أي حرب للدفاع عن نظام الولي الفقيه في إيران، وأن أي دولة أو منظمة أو شخص يحاول الاعتداء على هذا النظام سوف يكون هدفا لنا. من الواضح ماذا كان يقصد رفسنجاني: اغتيالات، إرهاب، حرب!

كما كان رفسنجاني واضحا عندما أكد، في تلك المقابلة، أن نظام الملالي في إيران وقياداته عليهم مسؤولية كبرى لإعادة المجد الفارسي العظيم، وهذا ما يؤكد النظرة الإمبريالية للنظام الحاكم في طهران. ويسترسل الكاتب قائلا: علينا ألا نعول كثيرا على المعتدلين في النظام الحاكم في طهران أمثال رفسنجاني وخاتمي وغيرهما، فهم لن يتنازلوا عن طموحاتهم الإمبريالية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والخليج وغيرها من الدول؛ فالقيادات الإيرانية، محافظيها ومعتدليها، متحدون في أهدافهم. أما نقاط الاختلاف بينهم فهي في الوسائل لتحقيق هذه الأهداف وليس غير ذلك، لكن إذا تجاهلنا تصريحات المسؤولين الإيرانيين وركزنا على أفعالهم لوجدنا أن إيران وعملاءها، كحزب الله في لبنان، أكثر استعدادا للتفاوض معنا، ويلخص المؤلف رسالته، التي أراد إيصالها في كتابه، في سطر واحد، هو: إن من مصلحة أميركا السياسية والاستراتيجية أن يتم التعاون مع إيران لتصبح شرطي الخليج المقبل!

كان هذا تلخيصا مختصرا لأهم النقاط التي تطرق لها المؤلف في كتابه، التي تصب جميعها في مصلحة النظام الحاكم في طهران وطموحاته التوسعية الإمبريالية. وهذا غيض من فيض مما يقوم به اللوبي الإيراني في بعض مراكز البحث في الجامعات الأميركية وكذلك مخازن التفكير (Think Tanks) من دور حثيث للتأثير على السياسات الأميركية تجاه إيران من خلال التنظير لدورها الإيجابي المقبل في المنطقة في حماية المصالح الغربية والحفاظ على تدفق النفط من الخليج إلى الغرب.

فهل نرى في الأشهر المقبلة تأثيرا للوبي الإيراني الموجود في k street واشنطن تقدم فيه الولايات المتحدة الأميركية الخليج العربي، بل سوريا ولبنان واليمن (للحاق بالعراق) على طبق من ذهب لنظام الملالي في طهران، مقابل أن تتخلى إيران عن طموحاتها النووية لتصبح شرطي الخليج المقبل، أم أن هذا اللوبي لا يزال في مهده وغير قادر على التأثير المباشر على الإدارة الأميركية؟

* مؤلف الكتاب هو روبرت بير، وهو عضو سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، عمل في كثير من دول الشرق الأوسط، كإيران والهند، وقد قرأت له الكثير من الكتب، إلا أن الملاحظة التي أدركتها على جل كتاباته عن الشرق الأوسط هي التحامل على العرب، خاصة دول الخليج العربية وشعوبها