سيغرقكم الأسد بالتفاصيل

TT

ها هو نظام الأسد يواصل التلاعب بالمجتمع الدولي، وخلفه بالطبع مجلس الأمن، مثلما تلاعب بالجامعة العربية من قبل، حيث قبل كل مهلة ومبادرة، مع إفراغها من محتواها، ومواصلة القتل والتدمير، فها هو الأسد يواصل قصف حمص، بينما يفاوض على تفاصيل المراقبين الدوليين!

فكل ما سيفعله الأسد بقرار مجلس الأمن إرسال مراقبين هو إغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل، فمن عدد المراقبين إلى جنسياتهم، ثم تحركاتهم، وسلامتهم، وهكذا، فكل ما يريده الأسد هو شراء الوقت لنظامه، ومواصلة القتل على أمل إخماد الثورة، والتي ثبت أنها بعيدة عن النهاية فعلا، والدليل عدد السوريين الذين نزلوا بمظاهرات الجمعة الماضية. فتلك المظاهرات بحد ذاتها كانت رسالة للنظام الأسدي، ودائرته المقربة، أكثر من كونها رسالة للخارج. ومفاد تلك الرسالة أن لا أمل للأسد، حيث عقد السوريون العزم على إنهاء حقبته السيئة، ورغم كل العنف. هكذا كانت رسالة جمعة «ثورة لكل السوريين»، فالجميع، من حول الأسد، أو المؤملون ببقائه، قد وصلتهم الرسالة، خصوصا ونحن نشهد أكثر من 800 نقطة تظاهر بالجمعة الماضية، حيث تشير تلك المظاهرات إلى أن السوريين عقدوا العزم على اقتلاع نظام الطاغية من جذوره.

ولذا فإن فكرة إرسال المراقبين الدوليين ليست بالسيئة، لكن عدد المراقبين هو السيئ، فما الذي بوسع ثلاثين مراقبا، أو حتى مائتين وخمسين، فعله بسوريا؟ فالمفروض أن يصار إلى إرسال ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مراقب دولي لضمان حماية أكبر للسوريين، وحينها يكون المجتمع الدولي قد قلب الطاولة على الأسد وألاعيبه، التي من أبرزها إغراق الجميع بالتفاصيل. فإذا كان المجتمع الدولي، وتحديدا الدول الفاعلة، غير راغبة في التدخل العسكري الآن، فمن باب أولى عليها أن تشغل الأسد بنفسه، بدلا من أن تتركه هو يشغل الجميع بالتفاصيل، بينما هو يواصل القتل، خصوصا أن هناك قناعة بواشنطن، وبعض العواصم الغربية، بأن الأسد لم يقبل بهدنة أنان إلا من أجل إعطاء قواته فرصة للراحة، ولرفع الضغط عن روسيا. وعليه فالسؤال هو: لماذا يمنح الأسد الفرصة تلو الأخرى دون تضييق الخناق عليه، خصوصا أن قواته لم تتوقف لحظة عن قصف المدن وقتل السوريين؟

وكما قلنا من قبل يوم قبل الأسد هدنة أنان بأنها: فاصل ونواصل، فإن خطته اليوم هي لالتقاط الأنفاس وإغراق الجميع بالتفاصيل، ومن هنا فواجب المجتمع الدولي، وتحديدا الدول المعنية، الإسراع بتسليح الثوار السوريين، ووضع أسنان ومخالب للقرارات الدولية لكي لا تكون مجرد عملية منح فرص للأسد الذي لا تتوقف قواته عن القتل لحظة. وبالطبع فإن حيل الأسد لإغراق الجميع بالتفاصيل لا تعد دليل قوة أو نجاح، بل إنها دليل على أن الأسد أشبه ما يكون بواقع في حفرة، ويواصل الحفر، أي أنه في ورطة، وبطريقه للسقوط، لكن الإشكالية الوحيدة التي تواجه الجميع اليوم هي حمام الدم السوري الذي لا يتوقف، ولذا فلا بد من خطوات حقيقية لوقف آلة القتل تلك، وأول خطة هي عدم إعطاء الأسد فرصة ليغرق الجميع بالتفاصيل.

[email protected]