مستقبل الأمن الخليجي بعد أزمة البحرين

TT

بعد أزمة البحرين في الرابع عشر من فبراير (شباط) 2011م تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الأمن الخليجي أصبح أمرا ملحا لدول المنطقة، ومن الأولويات التي يجب على قادة دول مجلس التعاون الخليجي التركيز عليها في أي اجتماع قمة مقبل، وهو أولا وقبل كل شيء أصبح مطلب شعوبها.

إن ما جرى في البحرين لم يكن مجرد أعمال شغب وتخريب وعنف، إنما هو محاولة انقلابية بامتياز تم التخطيط لها من قبل إيران والموالين لها في البحرين وحزب الله اللبناني، والأطماع الإيرانية في البحرين قديمة ليست بخافية على أحد وما زالت، ولذلك استغلت إيران أحداث البحرين لكي تجد ما تبرره لتحقيق حلمها القديم.

إن فشل المحاولة الانقلابية في البحرين لا يعني أن إيران قد تخلت عن مشروعها التوسعي، وذلك لأن البحرين في رأيها هي الحلقة الأضعف والأنسب لمد نفوذها إلى دول الخليج العربي لكي تحقق ثلاثة أهداف، أولها أن تثبت للعالم أنها ما زالت القوة العظمى في المنطقة كما كانت قبل الثورة، وثانيها هو تحقيق مشروعها التوسعي بإقامة الإمبراطورية الفارسية الذي هو حلمها الذي لن تتخلى عنه، وثالثها لعلها تجد من إثارة المشاكل مع دول مجلس التعاون والتدخل في شؤونها الداخلية ورقة رابحة تستخدمها متى تشاء لتخفيف الضغوط الناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من قبل أميركا ودول حلف الأطلسي بسبب مشروعها النووي، وما زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى جزيرة «أبو موسى» الإماراتية المحتلة إلا أكبر دليل على نيات إيران المبيتة تجاه دول الخليج العربي.

لم يكن الأمن الخليجي مهددا من قبل كما هو عليه الآن، وما زيارة وزيرة الخارجية الأميركية للمملكة العربية السعودية ولقاؤها مع الملك عبد الله بن عبد العزيز وبعده مع نظرائها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في المنتدى الذي أقيم بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بمدينة الرياض بحضور الأمين العام لمجلس التعاون وتأكيدها في المؤتمر الصحافي في ختام زيارتها على العلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة، إلا دليلا على أن أميركا بدأت تستشعر خطورة الوضع الإقليمي، وتأخذ على محمل الجد التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي الذي يمتلك ثلثي الاحتياطي للنفط العالمي، ولذا كان تبدل الموقف الأميركي واضحا، وذلك عندما أرسلت أميركا وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون إلى المنطقة والتي بدأتها بالمملكة العربية السعودية، وقد أكدت للمسؤولين السعوديين على حرص الولايات المتحدة الأميركية والتزامها بأمن وسلامة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي عندما أكدت على استمرار موقفها الرافض لامتلاك إيران أسلحة نووية من شأنها تهديد أمن منطقة الخليج، وبعدها مباشرة قام وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز بزيارة للولايات المتحدة الأميركية، وهناك جددت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تعهدها على الشراكة مع المملكة العربية السعودية عند لقائها مع وزير الدفاع السعودي عندما أكدت أن المملكة العربية السعودية شريك وثيق واستراتيجي للولايات المتحدة في العديد من القضايا الحرجة التي تواجه العالم اليوم. كل هذه التحركات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أميركا بدأت تدرك خطورة تعرض مصالحها في الخليج للتهديد الإيراني.

ومما يزيد الأمر تهديدا للأمن الخليجي هو تأزم الوضع الداخلي في إيران والأزمة السورية وما تمثله من عبء على النظام الإيراني الذي ما زال يكرر التزامه بالدفاع عن النظام السوري، هذه العوامل تجعل النظام الإيراني يبحث له عن مخرج من الوضع الحرج الذي يعيشه، ولذا فإن إثارة المشكلات والتهديدات التي يطلقها لدول الخليج في تصوره هي حل لكل مشاكله، وإذا ما استدعى الوضع أن يقدم على عمل عسكري ضد هذه الدول فهو عمل لا يستبعده. إن النظام الإيراني يحاول الآن تحريك أتباعه في البحرين خاصة وفي المملكة العربية السعودية لكي يجعل الوضع الداخلي في هذه الدول مهيأ له للقيام بأي عمل عسكري.

كل هذه المعطيات تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي أخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد، وأن تعي أن كل دولة لا تستطيع أن تحقق الأمن لنفسها بمفردها من دون التحاقها بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، وتكون فيه المملكة العربية السعودية هي مركز الثقل في هذه المنظومة لاعتبارات عديدة، وتحقق في ما بينها صيغة سياسية وحدوية، بغير ذلك يكون الأمر خطيرا في ظل التهديد الإيراني بالتحديد والأوضاع الإقليمية بشكل عام، فهل تعي دول مجلس التعاون هذه الحقيقة؟

* باحث أكاديمي بحريني