القط والقطيط في خدمة الدولة

TT

استمرت دوائر البريد في بريطانيا في الاعتماد على القطط في حماية مراسلات الدولة ووثائقها من هجمات الفئران والجرذان طوال القرن التاسع عشر. وواصلت الحكومة دفع معاشات هذه القطط. مرَّ ذلك بصورة هادئة ومن دون مناقشات في مجلس العموم، بيد أن اندلاع الحرب العظمى وما تطلبته من تكاليف ونفقات اقتضيا التوفير في كل شيء. وكان من ذلك التقتير على حياة القطط المسكينة التي لم يكن لها أي دور في إثارة الحرب أو خوضها. كانت حربا استعمارية بين بني آدم ولا شأن للحيوان فيها. أدى النزاع على تكاليف إعاشة القطط في دوائر البريد ومخازن الوثائق والمراسلات إلى مشاكل سياسية.

من وثائق الحرب العظمى كتاب سري للغاية من وزارة الأشغال إلى وزارة البريد بهذه الكلمات: «يكاد من المستحيل عمليا الحصول على خدمات رجال مختصين بصيد الجرذان طالما استمرت هذه الحرب. الوسيلة الوحيدة المطروحة أمامنا هي في الاعتماد على المصائد وعلى القطط البريطانية»، بيد أن مراقب حسابات مديرية البريد اعترض على النفقات في كتابه المؤرخ 23 فبراير (شباط) سنة 1915: من آيفر رشارد، مراقب حسابات البريد، إلى السير روبرت بروس، وزير البريد:

«عزيزي روبرت.. لا أدري إذا سبق أن اطلعتم على هذه المراسلات، أنا شخصيا أشك في ضرورة إعطاء هذه العلاوات المستمرة لقطط دوائر البريد. يمكن إنهاء الخدمات الوقتية للقطط بسد الثقوب التي تدخل منها الجرذان، ونحو ذلك من الإجراءات».

وقد رد السير روبرت بروس، وزير البريد البريطاني، على المستر آيفر رشارد، مراقب البريد: «لقد درست الموضوع مليا مع مأموري دوائر البريد واتضح لي منهم أنهم يميلون ميلا شديدا إلى الاعتماد على القطط في الدوائر المذكورة».

واستشهد معالي الوزير بشهادة المسز غارفز، مسؤولة قطط البريد في مدينة توركي؛ إذ قالت إن سد الثقوب والجحور لا يسدي نفعا؛ فكلما سدوا ثقبا استطاعت الجرذان أن تحفر لنفسها ثقبا جديدا.

وأذعن مدير البريد العام للواقع فكتب للسيدة غارفز أن تبحث عما سماه قطة قوية وقادرة على هذا العمل لاستخدامها في دائرة بريد توركي. أجابته مأمورة البريد بأنها بذلت قصاراها ولم تستطع غير العثور على قطيطة صغيرة بسعر عشرين بنسا.

انتهت الحرب العالمية الأولى وقد سجلت بعض القطيطات بطولات خاصة في حماية الوثائق البريطانية من أنياب الجرذان والفئران، تستحق، من دون أي شك، وسام فيكتوريا لو كان العالم يعترف بجهود المستضعفين.

كان هناك الهر المغوار الذي قتل 23000 جرذ في ميدان دائرة بريد توركي. وكانت هناك البسونة تشبي، التي كانت تسافر بالقطار وحدها من دون رفيق لها بين مانشستر ولندن، تبحث عن الجرذان. أما القط برسل، ذو الفرو الأسود، فكان يستعمل المصعد الكهربائي في مطاردة الفئران والجرذان التي بقيت متخلفة ولم تلحق بركب الحضارة المعاصرة وتتعلم استعمال المصاعد الكهربائية. وأنجبت البسة تيبس أربعة أجيال من القطط التي يعود لها الفضل، كل الفضل، في المحافظة على سجلات الحكومة في سراي مدينة لندن.