الفوائد غير المالية للشراكة بين القطاعين العام والخاص

TT

عادة ما أكتب عن التوقعات التجارية الخاصة بالشراكة بين الشركات البريطانية وشركات منطقة الشرق الأوسط. وفي عصر تدويل الشركات بجميع أحجامها، شكلت بعض الشركات البريطانية شبكات من الاتفاقات من أجل إتمام صفقات تجارية عبر أنحاء المنطقة. وأحيانا ما يوجد البعض منا ممن لهم خبرة بالمنطقة في أكثر من دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، ويقومون بتوسيع نطاق الموارد المعتمدة على بريطانيا من خلال مهارات إقليمية. وعادة ما يشمل ذلك تبادلا للمعارف والإمداد بقدر من التدريب المهني، على سبيل المثال، كانت شركتي «ألترا كابيتال»، على الرغم من كونها شركة بريطانية، واحدة من الشركات الكويتية التي ظهرت في أول معرض مستقل يقام في مركز التجارة العالمي بدبي، وهو معرض «الكويت في دبي». أقيم المعرض خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس (آذار)، تحت رعاية نائب حاكم دبي ووزير المالية، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم.

ناقش نداء المؤمن، مديرنا التنفيذي في الكويت، الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع الكثير من الأفراد الحاضرين للمعرض، من بينهم خالد الشامسي المدير العام بهيئة الصحة. وحول موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، نقلت عنه الصحافة المحلية قوله: «بدأنا هذا العام فقط تنفيذ مشاريعنا استنادا إلى مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص».

وتضمنت المؤسسات الكويتية الأخرى المشاركة في المعرض البنك الأهلي الكويتي، و«ريتز كارلتون»، والخطوط الجوية الكويتية، وطيران الجزيرة، ومجتمع الصحافة الكويتي.

تعكف الكويت على تطوير برنامجها الخاص بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما أعلنت عن أنه قد تم اختيار أفضل عطاء مقدم لأول صفقة شراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الطاقة، التي قدرت قيمتها بـ5.4 مليار دولار. ويتوقع أن توسع شركة «إنترناشيونال باور»، إحدى كبرى الشركات الخاصة المتخصصة بالإمداد بالكهرباء وواحدة من أكبر الكيانات الفاعلة في الشرق الأوسط، نطاق تأثيرها الإقليمي من خلال أول شراكة بين القطاعين العام والخاص في الكويت في قطاع الطاقة.

سوف تقوم محطة الزور الشمالية للطاقة بمحاربة مشكلة النقص المزمن في الكهرباء الذي تعانيه الكويت، كما ستساعد في مكافحة حوادث انقطاع الكهرباء التي منيت بها الدولة.

بالنسبة لشركة «إنترناشيونال باور»، التي تمثل اندماجا تم مؤخرا بين الشركة البريطانية التي تحمل الاسم نفسه وشركة «جي دي إف سويز» الفرنسية، يمثل الاتفاق المقترح زيادة إضافية في كمية الكهرباء التي تبيعها لحكومات الخليج التي تسعى لمواكبة الطلب المتزايد. سوف تزود المحطة بـ1500 ميغاواط من الطاقة، كما أنها تتمتع بالقدرة على تحلية نحو 100 مليون غالون إمبراطوري من المياه الملاحة يوميا. وتعتزم شركة «إنترناشيونال باور» إنشاء المحطة بحلول 2015.

في الأسبوع الماضي، أشرت إلى أنه من دون تفكير، ستؤدي الزيادات الهائلة في تعداد السكان في دول الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، مقارنة بالوظائف المتاحة، إلى ارتفاع معدلات البطالة. إن مشاريع مثل محطة الزور الشمالية واضحة المعالم ومفهومة جيدا في الكثير من الدول. ومع ذلك، فإنني أفضل الآن التفكير في تقديم مشاريع ورش عمل دولية للشراكة بين القطاعين العام والخاص تديرها القطاعات الخدمية. تضم ورش العمل الدولية للشراكة بين القطاعين العام والخاص أصول بنية تحتية باهظة التكلفة، على عكس نوع مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تقودها القطاعات الخدمية والتي ستصبح أكثر شيوعا في السنوات المقبلة في الشرق الأوسط.

تستخدم الكثير من الهيئات الحكومية تحليلات «القيمة مقابل المال» في المقارنة بين تقديم استثمار من خلال اتفاقية شراكة بين القطاعين العام والخاص وتنفيذه من خلال عملية شراء «تقليدية». وهذه التحليلات المتوقعة للقيمة مقابل المال عادة ما تركز على التكاليف المالية المعدلة في ضوء المخاطر لتوفير ما يفترض أنه ناتج مكافئ. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من خلال تقديم خدمات مثل التدريب المهني عن طريق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لدينا أسباب تحملنا على الاعتقاد بأن الفوائد غير المالية للتسليم بموجب اتفاقية شراكة بين القطاعين العام والخاص - ستكون أكبر من تلك التي تتحقق من خلال عملية شراء تقليدية. وفي ظل هذه الظروف، سوف تقلل الأساليب المعتمدة على تحليل القيمة مقابل المال من قيمة فوائد الشراكة بين القطاعين العام والخاص. في واقع الأمر، تهدف الحوافز المرتبطة بمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل مباشر إلى تحقيق فوائد غير مالية أكبر من عمليات الشراء التقليدية.

ونعني بالفوائد غير المالية الفوائد الاجتماعية الاقتصادية التي تعود على مستخدمي الخدمات أو أصحاب العمل بالقطاع الخاص أو المجتمع الأكبر من أحد الاستثمارات. تختلف الفوائد غير المالية عن الفوائد المالية (أو التكاليف) التي تمثل التدفقات النقدية الداخلية والخارجية، التي عادة ما تعود بشكل مباشر على صانع القرار في القطاع العام.

بدأت السلطات المحلية تنفيذ مشاريع على أساس أنها مجدية اقتصاديا، أي إن النفع الذي يعود على المجتمع منها، سواء كانت خدمة أو بنية تحتية، يفوق التكاليف. بمجرد التأكد من وجود فوائد من هذا الاستثمار، سيكون السؤال هو: هل يمكن أن يعود نفع أكبر من الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟. وتعتمد أكثر التحليلات الكمية للفائدة التي تعود من إنفاق المال على اختبار مقارنة في القطاع العام. ويقوم هذا الاختبار على المقارنة بين التكلفة التي تتضمن حساب المخاطر وخيار الشراء من أجل الحصول على خدمة مطابقة لمعايير محددة بدقة. يفترض هذا النهج القائم على خفض التكلفة إلى الحد الأدنى ضمنا عدم وجود اختلاف بين الفوائد غير المالية المرتبطة بنماذج تقديم الخدمة. مع ذلك، استنادا إلى صيغة عقود الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والمكونات التحفيزية المتضمنة في تلك العقود، هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن ذلك لا ينطبق على هذه الحالة.

تتضمن اتفاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص مجموعة من الحوافز معززة بصيغة من العقود تتسم بالتعقيد في بعض الأحيان. ويتطلب هذا وضوحا من جانب القطاع العام في ما يتعلق بالخدمات أو المخرجات التي يريدها. لذا، تهدف آلية الدفع والترتيبات المالية الأخرى إلى زيادة احتمال تقديم المخرج المطلوب. تتعلق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الكثير من الدول بالبنية التحتية، لكن طورت بريطانيا برنامجا للشراكة بين القطاعين العام والخاص يشمل مجال الخدمات. من الضروري الطلب من القطاع العام توضيح ما يريده بالضبط، لكن الأهم من ذلك هو أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تفتح مجالا أوسع أمام القطاع الخاص للابتكار خلال جميع مراحل المشروع. يمكن لتلك الحوافز إذا ما تم العمل عليها بفاعلية أن تؤدي إلى تحقيق فوائد غير مالية من خلال ثلاث آليات أساسية، هي: سرعة إنجاز العمل، وتعزيز جودة العمل، وزيادة تأثيره على المجتمع ككل. في الدول التي بحاجة إلى توفير عدد أكبر من فرص العمل للسكان، هناك فرصة لتقديم تلك الخدمات بطريقة رائدة تتضمن توفير تدريب مهني وتنموي لازم لدعم برامج التنمية المحلية. ولن يلتحق الجميع بالجامعة ولا ينبغي أن يفعلوا، مما يؤدي إلى حدوث فجوة في ما يتعلق بالتدريب، وينبغي أن تتم معالجة هذه الفجوة إذا أراد سكان البلد العمل في المشاريع التي تحتاجها بلدهم. إن لم يحدث هذا فسيرتفع معدل البطالة. ويؤدي الافتقار إلى المهارات المناسبة للوظائف إلى وجود بطالة بين بعض فئات المجتمع. وفي إطار حرصنا على عدم تعرض الناس إلى الصعوبات التي يعانيها سكان البلاد التي يرتفع بها معدل البطالة لكنها تمنح العاطلين عن العمل شعورا بالدعة من خلال منحهم إعانة بطالة - يمكن أن يكون البديل كارثيا. من المهم تجنب صنع ثقافة الاعتماد على إعانة البطالة، فهي لا تمثل حلا على المدى الطويل كما تبين لنا في بريطانيا، حيث أدى ذلك إلى مشكلة جديدة وهي عزوف الأفراد عن العمل لأكثر من جيل واحد. إذا كنت عاطلا عن العمل في بريطانيا، ستظل تحصل على شكل من أشكال الدعم الحكومي حتى وإن طالت المدة إن استدعى الأمر. ربما كان علينا تجنب بعض الأمور الصعبة، بينما علينا الآن تقديم تدريب فئات المجتمع على مهارات جديدة. من وسائل تحقيق ذلك التعاون مع القطاع الخاص في برامج تدريب مهني وتنموي من أجل إتاحة الفرصة أمام الباحثين عن وظيفة لتعلم المهارات التي يتطلبها سوق العمل. من وسائل تحقيق ذلك، التوصل إلى صيغة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الخدمات. ويعد التناغم الاجتماعي من خلال العمل المنتج أهم من شراء ذوي المهارات المحدودة.

* أستاذ زائر في كلية الأعمال في «متروبوليتان»

ورئيس «ألترا كابيتال».