إنه وقت إخضاع مبادلات مخاطر الائتمان للوائح وقيود

TT

في الأسبوع الماضي، تخلفت اليونان رسميا عن سداد ديونها. (وبشكل غير رسمي، تخلفت عن سداد ديونها منذ فترة طويلة مضت). ودفع هذا التخلف الرسمي عن سداد نحو 100 مليار دولار إلى دفع مبلغ يقدر بثلاثة مليارات دولار في صورة مبادلات مخاطر ائتمان. هذه هي منتجات التأمين غير التأمينية التي تجدي نفعا في حالة التخلف عن السداد.

فلنلق نظرة أكثر دقة على التاريخ المشوه للمبادلات ونتعرف على سبب ضرورة إخضاعها للوائح وقوانين باعتبارها سياسات تأمين تجارية.

قصتنا إذن حتى الآن: اكتسبت مبادلات مخاطر الائتمان مكانتها المفضلة كسياسات تأمينية غير خاضعة للوائح نتيجة تساهل من قانون تحديث عقود السلع الآجلة الصادر عام 2000. وقد خضعت لرعاية عضو مجلس الشيوخ في ذلك الحين، فيل غرام (الجمهوري عن ولاية تكساس). وبذلك أفاد إنرون، الذي كانت زوجته، ويندي، مديرة بالمجلس. وقد اكتشفت شركة الطاقة الأرباح التي يمكن تحقيقها بشكل سريع من تداول المشتقات الخاصة بالطاقة، والتي كان من الأسهل بدرجة كبيرة تحقيقها من دون تلك اللوائح المزعجة. وفي وقت لاحق من العام، تم تمرير هذا القانون عبر الكونغرس. فنتيجة تمريره بالإجماع في مجلس الشيوخ وبأغلبية ساحقة في مجلس النواب، لم يقرأه أي من أعضاء الكونغرس. وبناء على نصيحة وزير الخزانة حينها، لورانس إتش سامرز، تم التصديق على مشروع القرار ليتحول إلى قانون من قبل بيل كلينتون.

ولم يتم بعد تقريع أي شخص له صلة بهذا التشريع البغيض. إن أي شخص قرأ بالفعل نص هذا القانون الفاشل أو رشحه يجب حرمانه من المشاركة في أي نشاط مرتبط بالسياسة العامة أو الاقتصاد.

لماذا؟ السبب هو أن القانون يمثل إلغاء جذريا للوائح والقواعد التي تحكم المشتقات. كان ذلك مثالا للاعتقاد الموصوم على نطاق واسع الآن والذي مفاده أن البنوك والأسواق يمكن أن تنظم نفسها بنفسها من دون مشكلات. ولن تتخذ الإدارة أي إجراء من شأنه أن يعرض حق الامتياز للخطر، وفي حالة قيامها بذلك، فقد تتعرض لعقوبة ملائمة من قبل المساهمين.

لم يجد الأمر نفعا بتلك الطريقة. وعبر وول ستريت، فر معظم كبار المديرين دون أن يتم المساس بحوافزهم وعقود خيارات أسهمهم. خسر رئيس مجلس إدارة «ليمان»، ديك فولد، مئات الملايين من الدولارات، والآن، على مسؤولي البنك تدبير أمورهم بمبلغ الـ500 مليون دولار الذي ادخره.

لقد حقق القانون ما هو أكثر بدرجة كبيرة من مجرد تغيير الطريقة التي كانت تحكم من خلالها المشتقات لوائح وقوانين. فقد أطاح بجميع اللوائح والقوانين وثيقة الصلة. أولا، قام بتعديل قانون تبادل السلع الصادر عام 1936 من خلال إعفاء صفقات المشتقات من جميع اللوائح والقيود، سواء باعتبارها «عقودا آجلة»، (بموجب قانون تبادل السلع) أو «أوراقا مالية»، (بموجب قوانين الأوراق المالية الفيدرالية)، إضافة إلى ذلك، فقد أعفى قانون تحديث عقود السلع الآجلة على وجه التحديد مبادلات مخاطر الائتمان وغيرها من المشتقات الأخرى من اللوائح والقيود من قبل أي مجلس تأمين حكومي أو جهة تنظيمية.

ومن ثم، أنتج القانون فئة مميزة من الأدوات المالية التي لم تكن محددة، يتم تداولها كمنتج مالي، ولكنه ليس من أنواع الأوراق المالية؛ فهو مصمم للتحوط ضد الأسعار المستقبلية، لكنه ليس من أنواع عقود السلع الآجلة؛ وهو يجدي نفعا في حالة وقوع حدث معين يلحق خسائر، ولكنه لا يعتبر سياسة تأمينية.

وبوضع هذه الاستثناءات الضخمة من القواعد المعتادة التي تحكم المنتجات المالية في الاعتبار، يمكنك تخمين ما حدث مع المبادلات. ظهرت مجموعة محددة جدا من السلوكيات الاقتصادية: الشركات التي تقدم امتيازات تأمينية عادة ما تنحي جانبا احتياطيا نقديا لمخاطر الخسائر والأرباح المتوقعة. وحينما نأتي للمبادلات، نجد أن الشركات التي قامت بالتأمين عليها ليس لديها مثل هذا الالتزام.

تسبب ذلك في عواقب وخيمة. كانت أكبر شركة تأمين على مبادلات مخاطر الائتمان هي «إيه آي جي»، أكبر شركة تأمين في العالم. ومن دون قيد الاحتياطي النقدي، كان يمكن تأمين أكبر عدد من المبادلات. وكان هذا هو ما فعلته: قامت وحدة المنتجات المالية التابعة لشركة «إيه آي جي» بتأمين مشقات تربو قيمتها على 3 تريليونات دولار، مع عدم الاحتفاظ بأي دولارات كاحتياطي لسداد أي مستحقات محتملة.

وعلى الرغم من أن ذلك ربما يبدو منافيا للمنطق تماما في يومنا هذا، فإنه في عام 2005، كان يعتبر بمثابة توجه مالي بارع. تأمل المقولة التالية لتوم سافيدج، رئيس «إيه آي جي إف بي»: «أشارت النماذج إلى أن الخطر كان بعيد الاحتمال جدا إلى حد أن الرسوم كانت تعتبر بسيطة جدا. فقط سجلها في دفاترك واستمتع».

مثلما يتضح، يبدو الأمر سهلا إلى حد كبير. كان تأمين المبادلات عملا مربحا جدا - ما دمت لا تحسب الخسائر وحالة الإفلاس أو العجز عن سداد الديون في نهاية المطاف.

هناك أيضا حزمة الإنقاذ الحكومية الضخمة المقدمة لشركة «إيه آي جي» والتي تبلغ قيمتها 185 مليار دولار. بعيدا عن تلك المشكلات الثانوية الطفيفة، كان هناك كم جيد من الأرباح يمكن تحقيقه.

تعدى الأمر حالة «إيه آي جي». ففي حين أدى الإلغاء الجذري للوائح والقيود من قبل قانون تحديث عقود السلع الآجلة إلى انهيار ذاتي لشركة «إيه آي جي»، ساهم في الوقت نفسه في إفلاس اثنين من أكبر البنوك المتخصصة في الرهونات العقارية «بير ستيرنز» و«ليمان براذرز». ربما دخلا في حالة من اللامبالاة، معتقدين بشكل خاطئ أنهما محميان ضد الخسائر. أدى قانون تحديث عقود السلع الآجلة إلى انهيارهما، وكان مسؤولا بشكل غير مباشر عن انهيار «سيتي غروب» و«بنك أوف أميركا» و«فاني» و«فريدي». فضلا عن ذلك، كان عاملا مؤثرا في التجارب التي مر بها بنكا «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» وعدد قليل من البنوك الأخرى، والتي كانت فيها تلك البنوك على شفى الانهيار.

على الرغم من انهيارات البنوك الفادحة التي تسبب فيها قانون تحديث عقود السلع الآجلة، فإنه لم يتم إلغاؤه مطلقا. فقد تم تعديل أجزاء منه من خلال قانون «دود فرانك»، غير أنه لم يتم تغيير استثناءات التأمين. وفي يومنا هذا، تتم تسوية تلك المبادلات من خلال البورصات أو غرف المقاصة، لكنها ما زالت معفاة من جميع صور الرقابة التنظيمية التأمينية. يبدو هذا الأمر غريبا، لأنها أكثر من مجرد منتجات تأمين مستترة على نحو غير كاف، من خلال تسهيل عدم وجود مطلب الاحتياطي النقدي الذي يتيحه قانون تحديث عقود السلع الآجلة، وهذا ما يجعلنا مواكبين للعصر إلى حد ما، ويوجهنا إلى قضية تتعلق بالأحداث الجارية، مثل وضع اليونان. وقبل أسبوعين، ذكرت الجمعية الدولية للمبادلات والمشتقات، أنه «بناء على الدليل الحالي، فإن حزمة الإنقاذ اليونانية لن تتسبب في مدفوعات على مبادلات مخاطر الائتمان».

يعتبر هذا بيانا غريبا عن أحد الأصول القابلة للتداول، استنادا على أي أدلة؟ في المعتاد، ينقضي أجل عقد خيار أو عقد مستقبلي. أي أصل قابل للتداول، الأسهم والسندات والعقود المستقبلية وعقود الخيارات والصناديق.. إلخ، يغلق من تلقاء نفسه. هناك سعر سوق يغلق الأصل عنده وإجمالي حجم المبيعات ونسخة مطبوعة لليوم والشهر والربع والعام. لماذا يحتاج أي أحد إلى لجنة تفصل في معاملة تجارية؟

وفي يوم الجمعة، قضت لجنة جمعية المبادلات والمشتقات الدولية بأن اليونان تخلفت رسميا عن سدد ديونها. ولحسن الحظ، تم إصلاح تلك المشكلة. فلو كانوا قد عجزوا عن القيام بذلك، لانهارت سوق المبادلات بشكل مميت ولأصبح تمويل الدين السيادي أعلى تكلفة بكثير.

إن ما يجعل هذا الأمر مثيرا بالفعل ليس ما إذا كانت اليونان قد تخلفت فعليا عن سداد ديونها أم لا، وإنما هو أن هناك لجنة من الأحزاب صاحبة المصالح المتضاربة تصدر حكما في تلك القضية.

الأمر الممتع أنه لا يكون من اللازم الحصول على أي شكل من أشكال الإعلان الجماعي عند الحاجة إلى تسوية عقد مستقبلي أو عقد خيار. كذلك، لا يلزم أي قرار من جانب اللجنة. وهذا هو السبب الذي يجعل مبادلات مخاطر الائتمان تبدو أشبه كثيرا بتأمين عن غيرها من الأصول الأخرى القابلة للتداول.

لماذا يشكل الأمر أهمية إذا لم تكن المبادلات من أنواع التأمين؟ باختصار، الاحتياطي النقدي. هذا هو وجه الاختلاف الأساسي بين التأمين والمبادلات. يلزم منظمو التأمين الحكوميون باحتياطي نقدي من شركات التأمين، بمبالغ ضخمة، لضمان إمكانية سداد المستحقات في حالة أي حدث ينطوي على مدفوعات مستحقة. إن قطاع المبادلات لا يتطلب بالضرورة احتياطيا نقديا، ولو حتى بنسا واحدا مقابل مليارات في صورة خسائر محتملة.

أعتقد أنه بإمكانك أن تتبين لماذا يشكل هذا الأمر أهمية كبيرة لهذه الدرجة. تعتبر المبادلات أقل مربحية كمنتج تأميني عنه كأداة تداول. يعتبر هذا هو الموضوع الأساسي الذي يجب أن نهتم به جميعا. أنها تحديدا الطريقة التي تمكنت من خلالها شركة «إيه آي جي» من زيادة حجم تعاملاتها. ليس ثمة شيء يمنع السوق من تكرار ذلك مجددا. يمكننا أن نشهد تكرارا، ما لم يتم حل تلك المشكلة.

في واقع الأمر، تؤيد الاحتمالات بشدة وقوع هذا الحدث، ما لم نتخذ إجراء لوقفه.

تعتبر مبادلات مخاطر الائتمان منتجات تأمينية. ذلك بعد الوقت الذي قمنا فيه بإخضاعها للقيود واللوائح باعتبارها كذلك.

ريثولتز، الرئيس التنفيذي لشركة «فيوجن آي كيو»، شركة البحوث الكمية. وهو مؤلف «بايل آوت نيشن» ويدير مدونة مالية تحمل اسم «بيغ بيكتشر» على موقع Ritholtz.com. Twitter @Ritholtz

* خدمة «واشنطن بوست»