هل ترشيح سليمان والشاطر مفيد لبشار

TT

أين يتشابه. وأين يتناقض الوضع السياسي والاجتماعي في مصر وسوريا؟

آلام العرب وآمالهم واحدة. انفجرت الانتفاضة الشعبية نتيجة لظروف اجتماعية متشابهة في المجتمعات العربية: الهوة المتسعة في الكسب والإثراء بين ثلاث فئات اجتماعية: نخبة تحتكر المال والسلطة. وطبقة وسطى استفادت من ليبرالية الاقتصاد. وطبقة بروليتاريا ازدادت فقرا. بطالة. يأسا وغضبا.

من المغرب. إلى تونس. فليبيا. مصر. سوريا، فالمشهد الاقتصادي/ الاجتماعي واحد. استفاد الإنترنت الشبابي من هذا الوضع المتردي. تحرك جمهوره الافتراضي إلى الميادين للتعبير السلمي عن الاحتجاج. طالب المحتجون بالتغيير. لم يطالبوا بتسلم السلطة. لهذا لم تكن الانتفاضة ثورة.

يمكن القول إن تعامل النخبة الحاكمة مع الانتفاضة كان سلميا. وبحد أدنى من الخسائر. تم تغيير في رأس الهرم الحاكم، في تونس. ليبيا. مصر، فيما تنازلت المؤسسة الملكية المغربية عن بعض صلاحياتها وسلطاتها. غير أن قوى الإسلام السياسي، وفي مقدمتها المرجعية «الإخوانية» كانت هي المستفيد الأكبر من التغيير، وليست القوى الشبابية المبادرة. بل سرقت الأحزاب الدينية الشعارات الشبابية عن الديمقراطية التعددية. الحوار السلمي. قبول التناوب على السلطة، عبر صندوق الاقتراع الشعبي.

التناقض الوحيد مع هذه التسوية، حدث مع الأسف، في سوريا. لم يستطع النظام الطائفي التعامل مع سلمية الانتفاضة حضاريا وإنسانيا. جوبهت الانتفاضة فورا بقمع وحشي استخدمت فيه أسلحة القتل الجماعي، بالدبابة. والمدفع. والطائرة.

لماذا لم ينسحب بشار. كما انسحب مبارك وزين العابدين؟ لماذا لم يكن مصيره كمصير ندّه القذافي؟ لأن النظام الطائفي أشد شراسة في رفض التغيير، من النظام العشيري (الليبي. الصدامي)، والنظام الحزبي المصري والتونسي. بل كان اختصار الطائفة العلوية بالعيلة الحاكمة أشد دموية ووحشية، في التصدي للانتفاضة.

لماذا لم تتحرك دمشق وحلب ضد نظام الطائفة والعيلة؟ هنا تتشابه سوريا مع مصر وبلدان المغرب العربي. فقد أنعشت الليبرالية الاقتصادية، من خلال «كازينو السوق» الطبقة الوسطى. كان المستفيد الأكبر الحلف الرأسمالي بين النخبة الحاكمة والبورجوازية التجارية/ الصناعية. وتمكن هذا الحلف من توسيع الطبقة الوسطى (البازارية التجارية. الموظفون. المتقاعدون) بفتات الأعطيات، من رواتب ومنح مالية. وتسهيلات تجارية. وعقارية.

عندما انفجرت الانتفاضة كان طابعها شبابيا في مصر. وريفيا في سوريا. بدلا من التعاطف الشعبي، نشأ تناقض في المصالح بين المدن الكبرى (دمشق. حلب) والريف المحروم الذي استطاع التسلل إلى المدن المتوسطة والصغرى (حمص. حماه. درعا. دير الزور. الرقة. القامشلي. إدلب) لتحريكها معا ضد احتكار السلطة والمال.

الواقع أن التسوية التي رفضها النظام الاحتكاري السوري مع القوى الريفية لم تتم عمليا في مصر. وتونس. والمغرب، مع القوى الشبابية. نشأ نوع من المشاركة مع قوى بديلة: قوى الإسلام السياسي.

كيف خطفت القوى الدينية الانتفاضة من القوى الشبابية. وحلت محلها شريكة في الحكم ثم محاولة الاستئثار به؟ عمدت هذه القوى إلى إنزال الكتل البشرية الهائلة في الريف وقاع المدن، إلى الشارع، من خلال تسييسها. وإثارة عواطفها الدينية العميقة. واستغلال تقاليدها المحافظة، في تهديد القوى الشبابية والمجلس العسكري في مصر. ثم استخدامها كوسادة لينة. هينة، في القفز إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية.

نشأ عن هذه الغزوة الدينية خلل اجتماعي وسياسي خطير. لم يكن طبيعيا ومقبولا استئثار القوى الدينية بالسلطة التشريعية أو التنفيذية، نتيجة لانعدام الوعي السياسي والانتخابي لدى هذه الغالبية الشعبية التي صوتت لها في صندوق الاقتراع.

ثم حدث أن تجاوزت المرجعية الإخوانية كل وعودها السابقة بقبول ديمقراطية التنوع والتدرج. وعمدت إلى طرح مرشح إخواني (خيرت الشاطر) للرئاسة، ردا على رفض القضاء المصري والقوى الليبرالية والسياسية والشبابية محاولة احتكار «الإخوان» سن دستور جديد.

«طظ في مصر». طظ في الوطن، إذا تعارض وعارض الوطن زحف «الإخوان» لاحتكار السلطة. والحكم. والتشريع. كان ترشيح إخواني ثقيل الوزن والظل نوعا من «الطظ» في مصر. فقد كان الشاطر تجسيدا لهذا الشعار الذي أصله مرشده الإخواني السابق مهدي عاكف. كان الحزب أغلى عنده من الوطن.

أثار الشاطر، فور ترشيحه، المجلس العسكري الحاكم الذي وعد مصر بدولة مدنية. ألقى الرعب في قلوب القوى الليبرالية وعد مصر بدولة مدنية. ألقى الرعب في قلوب القوى الليبرالية الخائفة على نتاج قرنين من ثقافة ليبرالية مصرية زاوجت بين التراث والفكر الإنساني. وأنارت بشعاعها العالم العربي، عندما كشفت عن مشروع إخواني لإقامة دولة دينية، متخليا عن الشعار الإخواني السابق: دولة مدنية ذات مرجعية دينية.

أمام تراجع شعبية التيار السياسي الديني، وانكشاف انتهازية «الإخوان»، وإزاء حنين المصريين الجارف إلى الأمن المفقود والاستقرار المهدد، تقدم عمر سليمان ليخوض المعركة الانتخابية بعد 24 ساعة فقط من ترشيح الشاطر الإخواني.

ماذا يمثل اللواء سليمان؟ جدية رجل الدولة. المرشح الخائف على الوطن أمام مرشح «الطظ» في الوطن. نعم، إنه رجل من النظام السابق. رجل الأمن المفقود الذي لم يتلوث بالفساد. والمحاباة. والتوريث. الرجل القوي الذي كان من الجرأة بحيث يتحدى القوى الدينية والإخوانية بنزع عمامتهم وطرابيشهم، عن رأس مصر. بل يتهم «الإخوان» بحرق أقسام الشرطة والمباني الرسمية، وصولا إلى كشفه عن محاولة لاغتياله، قُتل فيها حراسه وسائقه.

إذا كان ترشيح الإخواني الشاطر يفيد ادعاء نظام بشار بأن «الإخوان» السوريين في مقدمة «المؤامرة» الأجنبية عليه. فلعل ترشيح اللواء سليمان مفيد أيضا لمنطق بشار، في أن القوة هي أولا وأخيرا الأداة لفرض الأمن، ولاستعادة الشارع من قوى الانتفاضة (السنية المتمردة).

من سوء حظ عمر سليمان وخيرت الشاطر أنهما يخدمان نظام بشار، من حيث لا يدريان ولا يريدان. بشار يستطيع أن يقدم سليمان أنموذجا لرجل الأمن الذي يعتمد عليه في قمع الانتفاضة السورية. وبشار الذي يستطيع أن يقدم الشاطر كأنموذج «للإخوان» السوريين الذين سيلغون الديمقراطية السياسية والليبرالية الثقافية، إذا ما سقط نظامه في سوريا.

لست ضد التدخل الخليجي في سوريا. كعربي، أومن بأن وطن العرب ملك لجميع أبنائه، من محيطه إلى خليجه. وعلى هذا الفهم للعروبة، أناشد الدولة الخليجية أن لا يكون اهتمامها فحسب بالقوى الدينية، كي لا يتهم الخليج بالانحياز. إدخال القوى السياسية والثقافية العربية في دائرة اهتمام وتعاطف الدولة الخليجية هو الذي يجعل التدخل الخليجي مقبولا ومنطقيا لدى المصريين والسوريين. وأذكّر بأن شعبية عبد الناصر العربية قامت على أساس التوجه إلى القوى الليبرالية، بقدر ما توجهت إلى القوى الدينية التقليدية في العالم العربي.