السياسة في مقهى هافانا

TT

حدثان أثارا اهتمام الإعلام الأميركي ومعه الدولي في زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى كولومبيا لحضور القمة التي جمعته مع نحو 30 من زعماء دول أميركا اللاتينية؛ الأول جانبي على الرغم من الانشغال الإعلامي به، وهو مخالفات فريق الحماية السرية التي اضطرت واشنطن إلى استبداله والتحقيق معه، والثاني، وهو الأهم، صور وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع مساعداتها في مقهى هافانا الليلي في العاصمة الكولومبية، وهي تشارك في الرقص وفي تمضية السهرة.

المفارقة أن كلينتون اختارت مقهى هافانا الذي يحمل اسم العاصمة الكوبية، ورقصت على أنغام الموسيقى الكوبية، بينما كان الموضوع الكوبي مثار خلاف بين الرئيس الأميركي وبقية زعماء دول أميركا اللاتينية في القمة التي انتهت من دون بيان ختامي، حيث اتحد الزعماء في الرغبة في دعوة كوبا إلى القمة الأميركية - اللاتينية المقبلة، بينما أصرت واشنطن، التي تقاطع كوبا، لدرجة حظر السيجار الكوبي الشهير، على أن الدولة الكاريبية التي كادت تؤدي إلى مواجهة كبرى خلاف فترة الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق خلال أزمة خليج الخنازير الشهيرة، لم تفِ بعد بشروط الانفتاح الديمقراطي كما فعلت دول أميركية لاتينية أخرى كانت علاقتها صعبة أيضا مع الولايات المتحدة.

ولم يقتنع زعماء أميركا اللاتينية الذين اتخذوا موقفا موحدا مع شقيقتهم في الجغرافيا كوبا، وأرجع البعض عدم رغبة أوباما في تقديم تنازلات في الملف الكوبي، على الرغم من أن عدو واشنطن فيدل كاسترو الزعيم التاريخي لم يعد في الحكم، كما أن الاتحاد السوفياتي لم يعد موجودا، إلى سنة الانتخابات وخوف الحملة الرئاسية من فقدان أصوات الأميركيين من أصل كوبي والرافضين لإعادة العلاقات في هذه الظروف.

عموما، السياسة ليس فيها صدف، فاختيار كلينتون وفريقها مقهى هافانا والموسيقى الكوبية للسهر معها قد يكون رسالة، إما إلى كوبا نفسها بأن هناك تغيرا، ولكن ليس الآن، أو رسالة إلى الناخبين الأميركيين من أصل كوبي بأنه لا تغيير في الموقف الأميركي الآن على الأقل، وهذا ما سيوضحه المستقبل.

بخلاف ذلك، في القمة الأميركية - اللاتينية الكثير من دروس إدارة المصالح والتغيرات في العلاقات الدولية، فالولايات المتحدة الباحثة عن أسواق للخروج من الركود الذي يضرب النصف الشمالي من العالم، بما في ذلك العملاق الاقتصادي الأوروبي، تجد في أميركا اللاتينية قوة صاعدة مع طبقة وسطى تتوسع بسرعة مع إحصاءات تشير إلى خروج نحو 60 مليونا من سكان القارة، الذين يتجاوزون 500 مليون من دائرة الفقر بين عامي 2002 و2008، بينما وصل الناتج المحلي لهذه الدول إلى نحو 5 تريليونات دولار، للبرازيل الحصة الكبرى بتريليوني دولار.

وحتى النقاشات التي جرت، عكست هذا التغير في توازن المصالح وإحساس دول أميركا اللاتينية بصعودها سلم القوى الاقتصادية الدولية، ففي ندوة، عندما تحدث أوباما عن أن ازدهار أميركا اللاتينية اقتصاديا سيعني فرصا أكبر لشركات أميركية، مثل «أبل» و«بوينغ»، قاطعته الرئيسة البرازيلية مشيرة إلى عملاق الصناعات الجوية البرازيلية التي تنتج طائرات «إمبريور» أي أنها تريد أن تفتح أسواقا هي الأخرى وتبيع.

هكذا الدول، تشعر بالثقة عندما يتقدم اقتصادها وتحسن مستوى الدخول وتوسع طبقتها الوسطى، وهكذا تدار المصالح والعلاقات الدولية.. المهم أن يكون لديك شيء تبيعه أو تقدمه، ولو تصورنا أن قمة مثل هذه منعقدة في المنطقة العربية، هل سنجد شيئا نعرضه ينافس لتبادل التجارة بخلاف الخامات؟!