المعركة مستمرة بعد عام

TT

في الثامن من أبريل (نيسان) عام 2011، شنت القوات العراقية هجوما شرسا بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وبالمدرعات والدبابات والقناصات، على أناس عزّل من سكان مخيم أشرف في العراق. وأسفر الهجوم عن قتل 36 من سكان هذا المخيم، أعضاء منظمة «مجاهدين خلق»، ثمانية منهم من النساء. كما أسفر الهجوم عن جرح أكثر من 350 من السكان، لا يزال البعض منهم يعانون من عاهات جسدية، معاقين ومشوهين، خاصة بسبب عدم توافر العلاج والإمكانيات الطبية الكافية.

الحكومة العراقية التي احتلت قواتها ثلث مساحة المخيم، أعلنت أن الهجوم جاء بهدف السيطرة على الأراضي الزراعية وتسليمها للأهالي، لكن ذلك لم يتحقق بعد خلال عام. كما أعلنت الحكومة العراقية أن قواتها لم تقتل أحدا في المخيم، وأن ثلاثة أشخاص قتلوا بيد السكان أنفسهم!.. لكنها لم تسمح لأي صحافي أو جهة محايدة بزيارة الساحة. وبعدها بأيام استطاع وفد من «اليونامي» زيارة المخيم ومشاهدة جثامين الضحايا وبعض الجرحى، ومن ثم أعلنت السيدة نافي بيلاي، مفوضة حقوق الإنسان، أن 34 شخصا قتلوا، وأن مسؤولية الحادث تقع على عاتق الحكومة العراقية.

وفد من العسكريين الأميركيين الذين كانوا آنذاك في العراق أيضا زاروا الساحة بعد يومين من الحدث، لكنهم لم يعلنوا أي خبر عن مشاهداتهم، حتى بعد طلب نواب الكونغرس نشر تقرير هذا الوفد، ولم لا والهجوم على «أشرف» جاء في يوم كان فيه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في العراق، واجتمع قبل الهجوم بيوم بنوري المالكي؟! ومن المصادفة أن الهجوم السابق على «أشرف» في 28 يوليو (تموز) 2009 أيضا وقع عندما كان غيتس موجودا في العراق.

هذه لمحة عن الحدث وبعض ملابساته القريبة منه. لكن الشيء‌ الذي يستحق النظر والتروي هو كيفية تعامل كل طرف في هذا الحادث وما بعده حتى الآن. ففي الساحة كما أشرت من جهة كان هناك أناس عزل لا ذنب لهم ولا سلاح سوى عزيمة لا تلين لتحقيق حقوق شعبهم وتخليص وطنهم من الديكتاتورية والهمجية، وهذا الهدف كان نصب أعينهم منذ بداية عهدهم في منتصف الستينات من القرن الماضي. والشيء الذي لا شك فيه هو أن الطرف الآخر لا يبحث من وراء هذا الهجوم عن خير لشعبه ووطنه، وإلا لوجد في «أشرف» وسكانه أفضل نموذج للبناء وللعلاقات المثلى بين أبناء الشعب، ولأن الشعب العراقي أعلن بملء فمه أنه مع «مجاهدين خلق»، لكن جدول حكومة نوري المالكي وحكومته هو تطبيق ما يريده خامنئي والنظام الحاكم في إيران؛ ومن المعروف أن هذا النظام لا يرضى بأقل من إبادة «مجاهدين خلق».

وخلال عام مضى جيّش كل طرف جيوشه، وجاء بما كان لديه من إمكانيات وقوة. فالحكومة العراقية كانت محرضة من قبل النظام الإيراني ومؤيدة من الحكومة الأميركية. والمقاومة الإيرانية و«مجاهدين خلق» في العراق كانوا تحت ضغوط هائلة، حيث إن حكومة نوري المالكي قطعت عليهم الأرض والسماء، ولم تسمح لهم بأي تحرك وتواصل، وحتى منعت وفدي البرلمان الأوروبي والكونغرس الأميركي من زيارة «أشرف». وأكثر من ذلك، أعلن المالكي أنهم يجب عليهم ترك «أشرف» والعراق قبل نهاية عام 2011، كما أصدر بيانات احتج فيها بالقائمة الأميركية للإرهاب، وجلب بخيله ورجله من عملاء مخابرات النظام الإيراني ليصيحوا 24 ساعة من خلال 300 مكبر صوت بإهانات وتهديدات بالقتل وهتك الأعراض و... كما جاءوا بهمج رعاع من أتباع الزمر التابعة للنظام الإيراني في العراق للتظاهر ضد سكان «أشرف» والمطالبة بإعدامهم وشنقهم.

ولجأت «مجاهدين خلق» لأبناء الشعب العراقي من خلال الاتصالات الإلكترونية لترى أن عشرات من نواب البرلمان العراقي ومئات وآلافا من الشخصيات السياسية والدينية وشيوخ القبائل والعشائر العراقية من العرب والكرد ومئات الآلاف من أبناء هذا الشعب من مختلف أنحاء العراق خاصة محافظة ديالى، أصدروا بيانات التأييد لـ«مجاهدين خلق» وإدانة انتهاك حقوقهم.

إنهم استطاعوا في مختلف أنحاء العالم اللجوء إلى ممثلي شعوب العالم، حيث أعلن أغلبية أكثر من ثلاثين برلمانا في العالم تأييدها لحقوق «مجاهدين خلق» وسكان «أشرف» وإدانة الاعتداءات عليهم، وبلغ عدد البرلمانيين المؤيدين لهم خلال هذا العام أكثر من أربعة آلاف نائب يمثلون أكثر من مليار شخص في العالم. كما أن مئات الآلاف من رجال القانون في مختلف دول العالم أيدوا أحقية مطالبهم. كما أن كبار الشخصيات السياسية الأميركية والأوروبية والعربية من مختلف الدول أعربوا عن تأييدهم لحقوق المجاهدين.

وقد شارك في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي نحو مائة ألف شخص من أبناء الجالية الإيرانية في فرنسا في المؤتمر العام السنوي لهذه الحركة. وخلال عامنا هذا أيضا سيقام هذا المؤتمر في 23 من شهر يونيو، إن شاء الله، بمزيد من الزخم والمشاركة والتأييد.

سكّان «أشرف» حاليا في حال النقل إلى «ليبرتي»، حيث وصل إليه حتى الآن 1200 منهم، وهناك مضايقات وقيود لا تطاق مفروضة عليهم حيث لا توجد في المكان الجديد نبتة واحدة أو شجرة، كما لا يوجد فيه متر من الإسمنت، وأرضه كلها حصى. وقوات الشرطة العراقية التي قتلتهم مرتين في الماضي موجودة داخل المخيم، وأبسط الحاجيات المعيشية مفقودة حتى للمرضى والمعاقين.

وما أخشاه استخلاصا من الخطاب الرسمي الذي يتردد في العراق وفي الولايات المتحدة هو احتمال وجود مكيدة مدبرة قد تؤدي لا قدر الله إلى تكرير مجزرة سيبرينتسا ضد سكان «أشرف». لكن «مجاهدين خلق» يصمدون ويقاومون، وهذه هي حياتهم وعيشهم.

هنا يبرز سؤال كبير: من أين تأتي قوة «مجاهدين خلق»؟ كيف استطاعوا الحصول على هذا الكم والنوع من التأييد في العالم؟ وكيف باستطاعتهم التغلب على جميع هذه المعاناة والمشاكل التي تبدو مستعصية في بداية الأمر؟

ما عندي جواب لهذا السؤال سوى:

أولا: عدالة قضيتهم وأصالة وشعبية أهدافهم وطموحاتهم.

ثانيا: استعدادهم لدفع الثمن لتحقيق هذه الأهداف أيا كان الثمن.

ثالثا: إنهم آمنوا منذ البداية بأنه لا مصدر قوة لهم بعد الإيمان بالله، سوى أنفسهم وشعبهم. هذا المبدأ الذي بني عليه كيانهم أصبح منذ نحو عقدين من الزمن أساس استراتيجيتهم، وكما يقولون تحول المثل المعروف «لا يحك ظهرك غير ظفرك» إلى أمّ الكتاب في استراتيجيتهم.

هذا هو سر بقائهم وصمودهم ورقيّهم رغم جميع الصعاب والعوائق.

* رئيس وزراء الجزائر سابقا ورئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن سكان «أشرف»