الخطر الأكبر على إسرائيل!

TT

هناك عدو متنامٍ ومتصاعد جديد للدولة اليهودية إسرائيل، عدو يعتبره الخبراء السياسيون فيها هو الأخطر والأهم، والعدو المقصود هنا هو التراجع الكبير جدا في الأجيال الجديدة من يهود الغرب عموما، ويهود الولايات المتحدة تحديدا، وقناعتهم بأن تكون إسرائيل هي دولة حصرية لليهود، وبمعنى آخر وأدق انحسار فكرة الصهيونية كمبدأ أساسي وهي القاعدة التي قامت عليها دولة إسرائيل.

فمن الواضح جدا أن هناك فجوة هائلة بين الفئات العمرية من اليهود الأميركان، فالجيل القديم، وتحديدا الذي ينتمي للفئة العمرية التي هي فوق الخمس وأربعين سنة، تؤمن بضراوة وتدافع بعنف عن فكرة الصهيونية وتعتبرها مسألة لها من القداسة والمكانة ما يشبه النصوص الدينية نفسها، بينما يعتبر الجيل الجديد نفسه أن فكرة الصهيونية تصطدم بمبدأ أصيل وحيوي قامت به الولايات المتحدة نفسها وأسست عليه الدستور والدولة، وهو فكرة فصل الدين عن الدولة، فكيف من الممكن أن تدعم أميركا حليفها الأول وتصرف عليه من أموال دافعي الضرائب وتوقع معها كل أنواع الاتفاقيات الداعمة الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية على مبدأ مخالف لفكر الآباء الموحدين للولايات المتحدة نفسها؟

وبالتالي لا يجد اليهود الأميركان من المنتمين للجيل الجديد ذات الحماسة والقناعة للدفاع عن إسرائيل والصهيونية بنفس حماسة أجيال أهلهم السابقين، بل إن بعض انتقادات اليهود الأميركان من الجيل الجديد تبلغ في قسوتها أن إسرائيل كدولة «تخادع» الولايات المتحدة؛ لأنها «تسوف» الوقت معها، فبينما يصرح المسؤولون فيها بقناعتهم وموافقتهم على التوجه السياسي الأميركي بأن مستقبل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سيكون باعتماد مبدأ «الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية، ولكن من جهة أخرى تدعم إسرائيل ماليا (من أموال الدعم المالي الأميركي لها) المستوطنات التي تتوسع داخل الأراضي المقررة لأن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية، وهم يعتقدون أن الدولة والحكومة الإسرائيلية بالتالي غير جادة في «حل» المشكلة، ولكنها فقط «تدير» الحوار والصراع لاستنزاف أكبر قدر من المال والحماية والوعود لأجل تغيير الواقع الديموغرافي للسكان في المناطق المتنازع عليها والمناطق المقررة والمقطوع بفلسطينيتها.

ولعل الأرقام هي أقوى وأبلغ دليل على التحول الحاصل في مواقف اليهود في أميركا بخصوص مسألة الصهيونية، ففي بحث مهم واستطلاع للرأي أجري في عام 2007 عن طريق الباحثين ستيفن كوهين وآري كيلمان، نجد أن أكثر من 80 في المائة من اليهود الأميركان فوق سن الـ65 عاما مقتنعون ومدافعون بقوة عن فكرة الدولة اليهودية، ثم يتحول المشهد بشكل مدهش للفئة العمرية التي هي دون الـ35 عاما إلى نسبة هي دون الـ50 في المائة، وهذه المسألة في ظل تصاعد الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الغرب و«نضوب» فرص هجرة جاليات يهودية من الدول التي يقيمون فيها إلى إسرائيل، يكون هذا الأمر الخاص بعدم قناعة اليهود في الغرب بدولة «دينية» لا تحترم الأقليات وحقوقهم المتساوية في المواطنة مع غيرهم، وهم يجدون أنفسهم في تناقض جدا بين ما يعانون منه كأقليات في دول الغرب يسعون لحماية وضعهم، فيقومون بعكس ذلك على أرض ديانتهم اليهودية، بحسب روايتهم، ويؤصلون فكرة متطرفة سياسيا وإقصائية في نفس الوقت، وهذا لا يمكن أن يقبل مع مرور الوقت.

ويتعرض كتاب جديد لهذا الصراع بشكل جميل، وهو كتاب «أزمة الصهيونية» لمؤلفه بيتر بينارت، ويوضح أن الصراع على فكرة الصهيونية وجدارتها سيكون أحد أخطر صراعات الشخصية اليهودية السياسية الجديدة، وستحدد مسار توجه ودعم اليهود في الخارج لدولة إسرائيل، بل حتى شكل هذه الدولة مستقبلا.

[email protected]