شغوف بالحياة حتى الثمالة

TT

رغم أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، فإن أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية اتفقوا على أنه ليس كل منتحر في النار، وأوضحوا أن الشخص إذا وصل إلى مرحلة من المرض النفسي والكآبة بحيث لا يفرق بين الحق والباطل يعتبر مريضا في عقله، وهو بذلك تحت رحمة الله تعالى، وقد يؤجر وتكون معاناته ضمن ميزان حسناته لأنه لا ينتحر بإرادته.

ومعروف أن (اليابان) هي أكثر دولة في العالم تتم فيها الانتحارات، ففي كل يوم ينتحر بالمتوسط في حدود مائة شخص، بعضهم بعذر كبير، وبعضهم بعذر أتفه من التافه، مثل مدير محطة القطارات الذي انتحر قبل أيام لأن القطار تعطل بضع دقائق في محطته بسبب عارض لا شأن له فيه إطلاقا (!!)

ومن غرائب الانتحار ما أقدم عليه زوجان مسنان في جنوب الهند، عندما شنقا نفسيهما حين لم يتمكنا من التغلب على حزنهما بعد وفاة كلبهما العزيز. ولولا تأكدت من صحة الخبر لما أوردته، وقد عثرت الشرطة على جثة الجندي المتقاعد (مادانراج) وجثة زوجته (تارباي) في منزلهما في إحدى ضواحي (حيدر آباد)، وهما لم يرزقا أولادا.

وأقاما قبل ذلك مراسم دفن لائقة لكلبهما (بابي 13 عاما)، وبعدها أولموا وليمة حافلة لأصدقائهما قبل أن يشنقا نفسيهما في غرفة النوم، ووجدوا ورقة يوصيان فيها أن يدفنا بجانب كلبهما، وهذا هو ما تم لهما، والآن من هو الذي يقول إن الكلاب أوفى من البشر؟!

أما إذا أردتم بعضا من سخافات الانتحارات المجانية فإليكم ما أردتم: فقد حدث في إنجلترا في الشهر الماضي أن ثلاثة انتحروا خوفا من المحاكمة المنتظرة، ومنذ سنوات انتحر طالب هندي لأن فرقة الكرة التي ينتمي إليها انهزمت، ومنذ أشهر انتحر رجل في ألمانيا لأن زوجته قصت شعرها، وانتحرت فتاة لأن أمها لم تأذن لها بالرقص.

وهذه الانتحارات السخيفة تختلف عن انتحارين (منطقيين)، الأول: في أميركا عندما انتحر رجل (شاذ) لأن صاحبه حبيب قلبه تركه، فقرر أن ينتحر على طريقة (مارلين مونرو) بأن ابتلع كمية كبيرة من الحبوب المنومة، وقالوا إنهم وجدوه ميتا في فراشه بقميص نومه وهو في كامل (مكياجه)، أما الثاني: فهو رجل فرنسي ومصيبته الكبرى أنه (عنين)، وهو في نفس الوقت يحب النساء حبا جما، وقد حاول بشتى الوسائل أن يجد لحالته المستعصية علاجا دون فائدة، لهذا وضع حدا لحياته - وحسنا فعل فهذا أشرف له وللنساء كذلك.

ومن المصادفات العجيبة أن السيدة (فيرازرماك) في مدينة (براغ)، عندما علمت أن زوجها سيتخلى عنها، أقدمت في نوبة انهيار أعصاب حادة، وألقت بنفسها من شباك شقتها في الدور الثالث، فحطت في سقوطها على زوجها الواقف على الرصيف عند مدخل العمارة وقتلته في الحال، ولم تصب هي إلا برضوض طفيفة.

وأظن أن هذه جريمة قتل متعمدة، ولم يدخل عقلي أن البوليس اعتبروا الموضوع (قضاء وقدرا)، ولم يوجه لها اتهاما.

أعتقد أن آخر إنسان في هذا العالم من الممكن أن يقدم على الانتحار هو أنا، لسببين بسيطين لا ثالث لهما.

أولا: أنني (خواف).

ثانيا: أنني عاشق، وشغوف بالحياة حتى الثمالة.