إذا لم تستح فاصنع ما شئت

TT

عادت هذه الكلمات الخالدة إلى ذاكرتي وأنا أتأمل ما يقوم به بشار الأسد في سوريا. فمن المعروف أن كثيرا ممن يقترفون جريمة قتل واحدة يقضون بقية حياتهم يعانون من عذاب الضمير ومشكلات نفسية طويلة. انعكس ذلك في شتى الأعمال الأدبية ومنها ما كتبه ديستوفيسكي وشكسبير. في مسرحية «ماكبث» يفقد البطل وزوجته القدرة على النوم بعد اشتراكهما في عملية قتل دنكان. تعاني السيدة ماكبث من تصورها أن دم القتيل بقي يلطخ يديها دون أن تستطيع التخلص منه بالغسل. تصرخ بهستيريا وهي تفرك يديها بعنف وقرف: «أيتها اللطخات اللعينة ألا تذهبين؟».

دم قتيل واحد! والرئيس السوري ملطخة يداه بدم عشرة آلاف شهيد. ويستمر لا في الحكم فقط، وإنما في عملية القتل. وتستمر السيدة زوجته بطلب أسطوانات بوب غنائية. لا تشعر بأي دم يلطخ يديها أو أذنيها وهي تستمع لهذه الأغاني الأميركية في قصرها العامر.

من لا يستحي يصنع ما يشاء. وفي العراق نطلق عليه كلمة «حياسز»، العديم الحياء. وما أجدرنا بأن نطلقها على من يفعلون بشعوبهم مثلما يفعل الرئيس السوري.

حسنا، الرئيس وزوجه وأسرته وزمرته لا يستحون مما يصنعون بشعبهم. ولكن كيف سيستطيعون الاستمرار في حكم هذا الشعب؟ كيف سيستطيعون التعامل مع الدول العربية الشقيقة، ومع الأسرة الدولية والبنوك العالمية؟ كيف سيتعاملون مع عائلات العشرة آلاف شهيد؟ هل سيدفع لهم تعويضات أو معاشات؟ ماذا عن أطفالهم وأراملهم؟ كيف سيضمن ألا يظهر أحد من أبنائهم ويقوم بعملية استشهادية ويغرز سكينة مطبخ في صدره؟ ماذا سيفعل بتربة البلد وقد امتلأت بالقبور والمقابر؟ كيف سيتفادى النظر ومشاهدة كل هؤلاء المقعدين الذين فقدوا أرجلهم أو أيديهم أو أبصارهم وجلسوا يشحذون على أرصفة الطرق؟

ولكن إلى حد ما أشعر بأننا جميعا ملطخة أيدينا بالدماء ولا نستطيع غسلها أو التخلص من بقعها التي تلوثنا. كيف سمحنا لمثل هؤلاء القتلة «الحياسزية» بحكم شعوبنا ومددنا أيدينا لأيديهم وصفقنا لهم، وأخيرا وقفنا نتفرج على ما يصنعون من منكرات دموية وندعو لزيارتهم والتفاوض معهم على حل سلمي يضمن لـ«الحياسزية» استمرارهم في الحكم.

يقولون هؤلاء القتلى إرهابيون إسلاميون ورعاع من جماعة الإخوان المسلمين. اسمعوا نداءاتهم «الله أكبر»! انظروا إلى نسائهم وبناتهم، كلهن محجبات! ألم نقل لكم؟ كلهم رعاع من الإخوان المسلمين. من يهتف «الله أكبر» في حلب يستحق القتل! ومن تلبس الحجاب في حمص تستحق القتل. ومن لا تلبس الحجاب وترسم الصليب على صدرها أيضا تستحق القتل. وماذا عن أطفالهم في طريقهم للمدرسة أو الروضة في إدلب؟ يستحقون القتل أيضا؟!

«نعم!»، يقول «الحياسز». ويسد أذنيه المخضبتين بدم الشهداء لئلا يسمع جوابهم:

يقولون من هم أولاء الرعاع؟

فأُفهِمهمْ بدمٍ مَن همُ!