لا ثورة في لبنان

TT

احتفى مجتمع المدونين والناشطين الإلكترونيين في لبنان بإقدام قراصنة على شبكة الإنترنت على تعليق عمل مواقع تابعة لوزارات وهيئات للدولة فعطلوها عن العمل.

بدا الاحتفاء بالقرصنة أشبه برد فعل غريزي فيه رغبة جامحة في فعل شيء ما أو على الأقل الانخراط في حراك حتى لو كان سلبيا لهز الركود والهزال اللذين يطبقان على الحياة في لبنان منذ سنوات.

لعل من افتتن بخطوة القراصنة قد داعبت طموحه «الثوري» جرأة وحيوية صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فيس بوك» الإلكتروني ودورها في تحريك الشارع المصري وإشعال الثورة. بدا مضمون الرسالة التي بعثها القراصنة اللبنانيون الافتراضيون على المواقع التي قرصنوها أشبه ببيان، فقد كانت بعنوان «ارفع صوتك».

عبرت الرسالة في مضمونها عن إحباط عام من الأوضاع الحياتية في لبنان، وفيها دعوة للتحرك وعدم الخنوع. تلقف لبنانيو المجتمع الافتراضي الإلكتروني تلك الإشارة وبدأوا يعيدون تكرار السؤال الذي ما انفكوا يسألونه منذ أكثر من عام: هل حان أوان الثورة اللبنانية؟! هل تقود القرصنة الجماعية لمواقع الدولة اللبنانية إلى مظاهرات ونزول إلى الشارع وتقع الثورة ويسقط النظام؟

سبق أن طرح هؤلاء الناشطون السؤال نفسه حين سارت مظاهرات تنادي بإلغاء الطائفية فتفاءلوا أن تلك مقدمات الحراك اللبناني، لكن أملهم خاب سريعا. اللبنانيات طمحن أيضا إلى أن تكون حقوق المرأة اللبنانية سببا كافيا لإشعال الشارع والثورة وتداعين إلى مظاهرة بل مظاهرات، لكن أيضا الخيبة كانت حاضرة وبقوة أكبر.

فلماذا يبدو أن هناك ما هو أقوى من انجرار لبنان نحو ثورة على غرار ما شهدنا في الربيع العربي؟

لقد بدا الاحتفال بفعل القرصنة أقرب إلى عمل تعويضي ناجم عن شعور ناشطين إلكترونيين لبنانيين بالعجز عن الانخراط في حركة التغيير الممتدة على طول العالم العربي وعرضه.

نعم، لبنان خارج حركة التغيير، لا بل إن حياته العامة دأبت، منذ انطلاق الثورات، في محاولة توظيف التغيير لمصلحتها في الداخل. في البداية حاول حزب الله الاستثمار في الثورة المصرية، معتقدا أن إطاحتها نظاما «غير ممانع» تأتي بمصلحته، فإذا بالثورة المصرية تمتد إلى سوريا، وها هو اليوم يشكك بالثورات كلها.

قوى «14 آذار» بدورها لم تنجُ من هذه المعادلة؛ فالثورة السورية من المفترض نظريا أن توظف لبنانيا لمصلحة «14 آذار»، لكن ها هو ركن من أركان «14 آذار»، الرئيس أمين الجميل، يبدي تحفظات على التغيير في سوريا، لاعبا على وتر خوف الأقليات من الصعود الإسلامي.

هذا التخبط هو صورة من صور كثيرة لا مجال لتردادها عن العجز عن إنجاز مشروع الثورة اللبنانية.

السلاح والطائفية والفساد ومخاوف الأقليات عناوين عدة للانقسام اللبناني، وهذا الانقسام لن يسمح لناشطي المجتمع الافتراضي بأكثر من الاحتفاء بمظاهرة من هنا وقرصنة من هناك، وغير ذلك سيبقى لبنان يغرد خارج سرب الثورات.

diana@ asharqalawsat.com