روسيا.. الرابح الأول

TT

بين احتمالات نشوب حرب أهلية قد يحفزها تسليح «الجيش السوري الحر»، وحرب إبادة للشعب السوري يشجعها حجب السلاح عنه.. اختارت إدارة باراك أوباما «مراقبة» الأزمة السورية عبر ثلاثين مبعوثا دوليا بدل حلها أو تقريب حلها، وذلك بانتظار تقطيع الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد انتخابات الرئاسة الأميركية دون أن يعكر صفوها عودة هاجس «عراق جديد» أو «أفغانستان جديدة» إلى الجدل الانتخابي الأميركي المتنقل من قضية إلى أخرى.

شعار المرحلة في واشنطن ليس ديمقراطية سوريا ولا حق شعبها في استعادة حرياته السليبة، بل تجنب «التورط» في أي قرار خارجي قد يهدد مصداقية تعهد الرئيس أوباما، المطروح منذ حملته الانتخابية الأولى، بإعادة «الشباب» (جنود القوات الأميركية) إلى بلادهم في أقرب فرصة ممكنة. ولأن الكثير منهم لم يعد بعد فإن أي تطور دولي يهدد بإعادة نشرهم في الخارج لن يصب في مصلحة أوباما الانتخابية، حتى ولو كان دافعه الظاهري تأكيد المبادئ الديمقراطية التي لا تكف واشنطن عن التذكير بأنها الدولة التي تحمل رايتها.

ولأن قاعدتي دبلوماسية واشنطن الثابتتين في الشرق الأوسط لا تزالان أمن إسرائيل وأمن الخليج (وتحديدا نفط الخليج)، ولأن النظام السوري لا يهدد أيا من هاتين الأولويتين - خصوصا بعد أن أحبطت دولة «الممانعة» نظامها بيدها - فإن أي «تورط عسكري» في المنطقة لن يصب في خانة المصلحة الأميركية، إضافة إلى أنه يصعب تبريره للناخب الأميركي في أجواء معركة انتخابية ترتفع حرارتها باطراد.

بالنسبة لإدارة أوباما، جاء وضع الكرة في ملعب الأمم المتحدة بمثابة «أهون الشرين» بين خياري الحرب الأهلية وحرب الإبادة في سوريا.

ولكن إذا كان قرار نشر المراقبين التابعين للأمم المتحدة في سوريا، المتخذ بإجماع مجلس الأمن، يشكل الأرضية الوحيدة التي تلتقي فيها واشنطن وموسكو حاليا على موقف موحد من الأزمة السورية، فإن روسيا، لا الولايات المتحدة، هي الجهة المرشحة لقطف مردوده السياسي في المنطقة.

بالنسبة لموسكو، كرس القرار موقع روسيا الدولي في الشرق الأوسط وخصوصا دورها «المحفوظ»، وبقرار دولي، في أي حل مرتقب للأزمة السورية.

بعد قرار مجلس الأمن لا حل عربيا خالصا، أو عربيا - غربيا مشتركا في سوريا، دون «ضوء أخضر» روسي. وهذا الإنجاز الذي يستهل به فلاديمير بوتين عهده المجدد في الرئاسة الروسية سيسمح له بالادعاء أنه هو وحزبه، لا الاتحاد السوفياتي البائد، الوريثان الفعليان لطموحات روسيا القيصرية في الشرق الأوسط.

ولن يكون مستبعدا، في سياق تأكيد الدور الروسي في سوريا، أن تثبت الأيام المقبلة أن ما توخاه القرار الدولي من «وقف للعنف» في سوريا لن يتحقق ميدانيا دون مساعدة روسية مباشرة، أي دون أن تضع روسيا كامل ثقلها إلى جانب باقي دول مجلس الأمن لإنجاح مهمة المراقبين الدوليين.. وكامل الثقل في هذا السياق يعني استعدادها للضغط على دمشق لضمان التزامها بالقرار الدولي. أما بالنسبة لواشنطن، فلن تفلح كل مبررات معارضتها لاقتراح تسليح «الجيش السوري الحر»، في تبديد شعور الكثير من السوريين بأن موقفها يرقى إلى مصاف التخلي المصلحي عن انتفاضتهم الشعبية من قبل الرئيس نفسه، الذي دعا بشار الأسد علنا، قبل سنة من اليوم، إلى التنحي عن سدة الحكم، وأكد في أكثر من مناسبة واحدة أنه فقد شرعيته كرئيس لسوريا.

مع ذلك يفرط في التفاؤل من يعتقد أن نشر المراقبين التابعين للأمم المتحدة سيوقف عمليات «قمع» الانتفاضة بوسائل أمنية أخرى، وما أكثرها في سوريا، أو أنه سيوقف انتفاضة دفعت، حتى الآن، أكثر من عشرة آلاف ضحية ثمن استعادة حرياتها المصادرة.