آه منك (يا أروبه)

TT

جاء في التراث العربي الممجوج أن أحد الفلاسفة سئل: كيف تختار امرأتك؟ فأجاب: لا أريدها جميلة، فيطمع فيها غيري، ولا قبيحة فتشمئز منها نفسي، ولا طويلة فأرفع لها هامتي، ولا قصيرة فأطأطئ لها رأسي، ولا سمينة فتسد علي منافذ النسيم، ولا هزيلة فأحسبها خيالي.

ولا بيضاء مثل الشمع، ولا سوداء مثل الشبح، ولا جاهلة فلا تفهمني، ولا متعلمة فتجادلني، ولا غنية فتقول هذا مالي، ولا فقيرة فيشقى من بعدها ولدي - انتهى.

ولو سألتموني أنا (يا محاكيكم) لقلت لكم: أريد أن تكون امرأتي مجتمعة بها كل تلك الصفات الخلاقة.

إنني أريدها على هذه الصورة العجيبة فقط، لكي أرسمها على طريقة (سلفادور دالي) السريالية.

وكل من (يبخصني) - أي من يعرفني - يدرك كم أنا أحب المتناقضات في حياتي، فيوم أنا في الشرق ويوم أنا في الغرب، ويوم أنا قائم ويوم أنا نائم، ويوم أنا متجمد تحت الصفر ويوم أنا أغلي بألف درجة (فهرنهايت)، ويوم وأنا (أعبط) الخشف من رعابيب المها، ويوم أنا أقود وأمسك بذراع أعمى عجوز يكاد يعرف طريقه.

وكل ذلك، ومن أجل ذلك ولحكمته تعالى خلقني ربي هكذا مهاجرا للجنوب والشمال في وقت واحد، فأرجوكم ثم أرجوكم لا تلوموني على بعض ترهاتي، ولكن لو سمحتم ترحموا على صبيكم الصغير.

* * *

قبل سنوات استأجرت مع أحدهم شقة في حي (البيكادلي) في لندن لمدة شهر، واتفقنا مع امرأة شغالة أن تأتي كل يوم لترتيب الشقة والعناية بنا، واستمرت هي على هذا الحال لمدة أسبوعين تقريبا، وفي أحد الأيام صارحتنا أنها ابتداء من الغد سوف تنقطع عن المجيء وتفاجأنا بقرارها ذاك، وعندما سألناها مستغربين، وكل واحد منا يعتقد في قرارة نفسه أن زميله قد أساء التصرف معها دون علمه، وسألناها إن كان قد صدر منا ما يزعجها؟!

غير أنها من ناحية أراحتنا، ومن ناحية أخرى أثارت تعجبنا عندما قالت، بما معناه: أبدا (عداكما العيب)، ولكنني سوف أترك العمل عندكما لأن زوجي أصبح الآن بلا عمل، وحين يكون هو بلا عمل لا بد أن أمتنع أنا أيضا عن العمل، فقال لها زميلي: ولكنك (يا ميري) - وهذا هو اسمها - أنت الآن في أشد الحاجة للمال، خصوصا أن زوجك الآن عاطل، فقالت: أكيد، إنني أحتاج إلى المال ولكن حاجة زوجي إلى كرامته أعظم، لأنني إذا واصلت العمل وهو ما زال عاطلا سوف تخيم عليه الكآبة، وإذا اكتأب سوف يتعاطى الخمر، فإذا شرع يعاقرها فمن المحتمل جدا أن يغازل فتاة أخرى، وأنا لن أسمح له أبدا أن يغازل أخرى طالما كنت حية.

لهذا قررت أن أبقى بجانبه وأكتم على أنفاسه، لأنني أجزم أنه لن تمر عليه أكثر من 3 أيام حتى يجد له عملا من (تحت الأرض) فهو لن يطيق أن يبقى بلا عمل ما دمت أنا معه في البيت.

فاطمئنا ولا تقلقا فسوف أعود لكما بعد يومين أو 3 على أكثر تقدير.

تبسمت قائلا لها: آه منك (يا أروبه)، فسألت: يعني إيه (أروبه)؟!

قلت لزميلي: ترجم لها.

[email protected]