ميزانية المستشفى.. ومعدل الوفيات

TT

ربما يصدق على المستشفيات ونتائج عملها ذلك المثل الشعبي القائل: «الغالي ثمنه فيه». وبداهة، من المعلوم أن تشغيل أي مستشفى يتطلب إنفاقا ماديا باهظا مقارنة بتشغيل أي منشآت أخرى، ولذا، فإن المقارنة لا مجال لها بين الميزانية المالية لمستشفى وميزانية غيره. وفي المقابل، يظل تقييم الأداء وتقييم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية وغير البشرية للمستشفيات هو الأساس في نمو تطوير خدماتها والاستفادة العامة منها على أوسع نطاق ممكن وبأفضل نتائج يُطمح إليها.

في عدد الرابع عشر من مارس (آذار) الماضي عرضت مجلة «الجمعية الطبية الأميركية» Journal of the American Medical Association نتائج دراسة الباحثين من كندا حول تقييم جودة الرعاية quality of care والأداء الإكلينيكي للمستشفيات وعلاقة ذلك بمقدار الإنفاق المادي على تشغيلها.

وفي بداية الدراسة، عرض الباحثون من مؤسسة علوم التقييم الإكلينيكي Institute for Clinical Evaluative Sciences في تورونتو بكندا أن ثمة تضاربا في نتائج مجموعات من الدراسات الطبية السابقة التي بحثت في هذا الموضوع بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، ولاحظ بعضها أن ارتفاع التكلفة المادية يعني أداء أفضل، وبعضها الآخر لم يلحظ تلك العلاقة بوضوح. وهو ما حدا بالباحثين إلى القول بأنه من غير المعلوم تأثيرات ارتفاع معدلات الإنفاق على المستشفيات في مستوى جودة خدماتها الطبية.

وراجع الباحثون في الدراسة المعلومات الطبية الخاصة بشريحة من المرضى الذين كانت أعمارهم فوق 18 سنة ممن تم إدخالهم إلى المستشفيات في منطقة أونتاريو في الفترة ما بين عام 1998 وعام 2008. وذلك لمعالجة إما نوبة الجلطة القلبية أو فشل القلب أو سرطان الأمعاء أو كسر عظمة الفخذ.

وتبين للباحثين في نتيجة دراسة المراجعة لنتائج معالجة المرضى، أن معدلات وفيات المرضى خلال الثلاثين يوما التالية لإدخالهم إلى المستشفى للمعالجة 30- day death rate ومعدلات الاضطرار إلى العودة للدخول إلى المستشفى خلال الثلاثين يوما التالية لخروجهم منها -days readmission rate، هي أقل حينما تتم معالجة المريض في المستشفيات ذات المخصصات المالية الأعلى للإنفاق على تشغيلها مقارنة بتلك ذات المخصصات المادية المتدنية.

وهذه النتيجة تمت ملاحظتها في معالجة جميع أنواع الأمراض المتقدمة الذكر. كما لاحظ الباحثون أيضا أن معدلات حصول أحداث سلبية مهمة لدى مرضى القلب خلال الثلاثين يوما التالية لبدء معالجتهم في المستشفي 30-day rate for major cardiac events، وذلك لمرضى نوبة الجلطة القلبية ومرضى فشل القلب، كانت هي الأخرى أقل بين المرضى الذين تمت معالجتهم في المستشفيات ذات المخصصات المالية الأعلى للإنفاق على تشغيلها مقارنة بتلك ذات المخصصات المادية المتدنية. واستمر تأثير جدوى المعالجة في المستشفيات ذات المخصصات المالية الأعلى للإنفاق على تشغيلها، على الحالة الصحية للمرضى طوال العام التالي لبدء معالجتهم.

وذكر الباحثون أن ثمة عدة عوامل ملاحظة في تلك النوعية من المستشفيات ذات القدرات المادية الأعلى، مثل توفر أجواء أكاديمية للتدريب الطبي ومراجعة عدد أكبر من المرضى لها، مما يُعطي فرصا أعلى لتوفر طاقات طبية ذات خبرة وقدرة أعلى. كما ذكروا أيضا أن تلك المستشفيات تكون عادة في إحدى المدن الرئيسية، وتتوفر فيها مراكز متخصصة لعلاج أمراض القلب والأمراض السرطانية وغيرها من الخدمات الطبية المتخصصة. وأيضا تتوفر فيها أعداد أكبر من الطاقم التمريضي وغيرها من الإمكانات. وتحديدا ذكروا عنصرا مهما بقولهم إنهم: «يستخدمون مواردهم بفاعلية أعلى خلال إقامة المريض لديهم للعناية بحالات متطلبة لرعاية طبية حساسة».

وقارن الباحثون بين تشغيل المستشفيات في النظام الصحي الكندي وفي الولايات المتحدة. ولاحظوا أنه تتوفر في المستشفيات الأميركية ثلاثة إلى أربعة أضعاف قدرة المستشفيات الكندية في التكنولوجيا الطبية المتقدمة، مثل أجهزة الأشعة المقطعية والتصوير المتقدم بالرنين المغنطيسي. ولكنها متقاربة في الرعاية السريرية للمريض وتوفر الطاقم التمريضي. وأشار الباحثون إلى أنه على الرغم من أن مقدار «الإنفاق المادي على الرعاية الصحية لكل فرد» health care expenditures per capita في كندا هو 57%، وهو أقل من الولايات المتحدة، فإنه في المستشفيات الكندية يتم استخدام الموارد المتوفرة بكفاءة أعلى. ووفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2008 WHO Health Expenditure Per Capita، فإن الولايات المتحدة الأولى عالميا، وكندا الحادية عشرة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]