لا للـ«تويتر»

TT

كتب الدكتور زياد الدريس، السفير السعودي لدى «اليونيسكو»، يرحب بعصر الـ«تويتر». وقال إنه يحب الاختصار في الكتابة ويكره الاستطراد، وها هو الـ«تويتر» يطبق الحكمة القديمة «ما قل ودل». وعندما أقرأ زياد الدريس أتمنى أن يسهب قليلا. فالاختصار ليس مبدأ ولا قاعدة. وكما يقال «ما قل ودل»، يقال أيضا «لكل مقام مقال».

لست مع المنفلوطيات، وهي تكرار الفكرة الواحدة في جمل رتيبة. ولا مع حشو المفردات والمترادفات. ولا مع تغليب المعقد على السهل. ولا مع تكديس التجانس والتقارب بغير وجوب. ولا مع الصناعة، حيث يمكن الابتكار. ولا مع النحت على العفوية. ولا مع إرغام اللغة بدل توسلها. ومع الاقتضاب الحسن على التطويل المفتعل.

الاختصار الجميل فن، لكن الـ«تويتر» يقضي على فنون كثيرة في الأدب والكتابة. ثمة أنواع أدبية تكاد تنقرض حتى قبل اكتشافها، كالشعر وأدب الرسائل. الاختصار جميل في موقعه. وتركيز الموضوع أكثر جمالا، لكن ثمة قضايا كثيرة في الصحافة والأدب والسياسة لا تقع في هذا الباب. الـ«تويتر» ظاهرة لن تدوم. سوف يكتشف الناس غدا أنها قرضت معارفهم وسطحت أفكارهم وألغت مبدأ التساؤل والتأمل وجعلت كل الأفكار تعوم على السطح وألغت التفاصيل الجميلة أو الضرورية في الحياة.

سوف تقاوم الكتابة هذا الانزلاق الانتحاري، كما قاومت من قبلُ رتابة التكرار وملل الافتعال. وإذا كانت الصحافة الورقية تتراجع، فالفن الصحافي يزدهر. وإذا كان الكتاب الورقي يزول، فإن الكتاب في صيغته الإلكترونية يزداد توزيعا. المسألة هنا هي الصيغة أو الشكل، وليس المحتوى نفسه. ولعل قارئ الصحف يمضي من الوقت أمام الكومبيوتر أكثر بكثير من قبل. وبدلا من أن يقرأ صحيفته اليومية أصبح يقرأ إلى جانبها عددا كبيرا من الصحف.

سوف نكتشف، مهما تأخر ذلك، أن الـ«تويتر» وسيلة عابرة للتواصل بين الناس، وأنه مهما اتسع نطاقها فليس لها على الإطلاق تأثير الصحافة أو الكتاب أو التلفزيون. ربما نفعت بعض السياسيين أو الخاصة الذين لديهم رسائل يبعثون بها إلى مجتمع محدود (مهما بلغ عدد أفراده)، لكنها سوف تبقى مجرد تغريدة في فضاء فسيح ومفتوح، لا ضوابط له ولا قواعد ولا حتى من يحدد مستوياته الأدبية وأحكامه الأخلاقية.

وأعتذر إلى العزيز زياد أن أعكر عليه حلمه بالانتقال من عصر الكتابة إلى عصر البرقيات. فماذا عن جماليات اللغة؟ وماذا عن الأبحاث؟ صحيح أننا لم نعد في زمن المعلقات، لكن اللهم أبعد عنا زمن الثواني.