منع اندلاع حرب واسعة النطاق بين السودان وجنوب السودان

TT

يتأرجح السودان وجنوب السودان على شفا حرب شاملة لن يعود منها نفع لأي من الطرفين.

وقع آخر نزاع بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان وسط مزيج مبهم من الكيانات المسلحة والمصالح في مناطق الحدود المتنازع عليها، بما في ذلك مجموعة من قوات المعارضة الشمالية وميليشيات بالوكالة. وثمة خلاف حاد حول السبب الأساسي للنزاع، لكن حالة الاهتياج هي النتيجة المتوقعة للاتجاهات السلبية: النزاعات في جنوب كردفان والنيل الأزرق وعدم الاتفاق على الترتيبات الاقتصادية والمالية التقليدية بين الدولتين واستيلاء الخرطوم على النفط الجنوبي وقرار جنوب السودان بوقف إنتاج النفط والهجمات وعمليات القصف المتقطعة عبر الحدود. حدث هذا النزاع وسط اتهامات مضادة متبادلة: قيام الخرطوم بتسليح ثوار الجنوب وتزويد الجيش الشعبي لتحرير السودان رفقاء السلاح السابقين الذين يقاتلون الآن لصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في جنوب كردفان والنيل الأزرق - بالدعم المادي، إضافة إلى الدعم السياسي لأعضاء في الجبهة الثورية السودانية الساعية للإطاحة بالرئيس البشير. ومدفوعة بشكل جزئي بمنع إعادة تزويد الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال - بالدعم، قامت القوات المسلحة السودانية أيضا بقصف معسكرات اللاجئين والمدن في جنوب السودان، كما شنت مؤخرا هجوما على بانتيو، عاصمة ولاية الوحدة. ويزيد من تعقيد الأمور الآراء المتباينة داخل العاصمتين وأصحاب الآراء المتشددة الذين يبدو أنهم يعملون من أجل عرقلة التسويات المتفاوض عليها، مثلما اتضح من خلال تأجيل القمة الرئاسية بين رئيسي السودان وجنوب السودان التي كان من المقرر عقدها يوم 3 أبريل (نيسان).

وتتمثل المحصلة النهائية في أنه، في أعقاب تجدد الاشتباكات، استولى الجيش الشعبي لتحرير السودان (جيش الجنوب) على حقول نفط هجليج المتنازع عليها وأوقف نحو نصف إنتاج النفط الذي يقدر بـ115 ألف برميل يوميا. وقد وجه هذا ضربة إضافية لاقتصاد الخرطوم، الذي يرزح بالأساس جراء الانفصال والانخفاض الإضافي في العائدات الذي نجم عن قرار جوبا في يناير (كانون الثاني) بوقف استيراد النفط عبر خطوط الأنابيب السودانية. وليس بوسع نظام الخرطوم المحاصر، والواقع تحت وطأة ضغوط على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعني بدرجة متزايدة بالتوقعات المأمولة لانتفاضة «الربيع العربي»، تحمل تكبد مثل تلك الخسائر.

يبدو أن لعبة «دجاج» جارية، والتي بدأ فيها الطرفان ينتهجان استراتيجيات محفوفة بالمخاطر أملا في أن يهزم الطرف الآخر أولا. وفي حالة عدم انهزام أي من الطرفين، ستكون العاقبة مفجعة بالنسبة لكل منهما. يساور البعض الشك في أن تكتيكات الرئيس سلفا كير تهدف إلى إشعال انتفاضة شعبية في الشمال – إنه يراهن على أن الهجوم على هجليج ربما يكون القشة التي ستقصم ظهر حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ومع ذلك، يبدو أنه لم يتم وضع التبعات المحتملة لخلع الرئيس البشير في الحسبان. فعلى عكس مصر، يفتقر السودان إلى مؤسسة شرعية واحدة يمكنها أن تدير عملية انتقال سلمي للسلطة. لقد قام البشير، الذي تولى الرئاسة بعد انقلاب عسكري وقع في عام 1989، ومعاونوه المقربون بإضعاف خدمات الأمن واعتمدوا على الولاء الشخصي، والمحاسيب الذين يكبدونهم نفقات طائلة، من أجل التشبث بالسلطة. وما زال هو والمتشددون من رجال الأمن مستمرين في مساعيهم لإحداث الفرقة وفي توجيه التكتيكات الرامية لمنع ظهور قوة موحدة مضادة لهيمنة حزب المؤتمر الوطني على الوسط. إن سقوط البشير من شأنه أن يؤدي إلى تكالب جامح من قبل العديد من الأطراف الفاعلة المسلحة سعيا للسيطرة على الخرطوم وأجزاء أخرى من الدولة، ذلك التكالب الذي سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، كبح جماحه.

إضافة إلى ذلك، فإن كير والحركة الشعبية لتحرير السودان معرضان للمخاطر. ومع قرار جنوب السودان بوقف إنتاج النفط، اختفت نسبة 98 في المائة من عائداته الحكومية. لا يمكن للاحتياطات النقدية وغيرها من الإجراءات الأخرى الهادفة إلى سد الفجوات أن تدعم جوبا إلا لبضعة أشهر فقط، بعدها سيتعين على الحركة الشعبية لتحرير السودان إقرار تخفيضات هائلة في الميزانية، من بينها ميزانية الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي يعتبر قوة صعبة المراس تضم العديد من الخصوم السابقين. للخرطوم تاريخ طويل مع دعم أعداء عدوها. فبثمن زهيد نسبيا، يمكنها الاستمرار في دعم أعداء جوبا وزيادة حالة عدم الاستقرار المحلية بالنسبة لحكومة ابتليت بالأساس بمؤسسات ضعيفة وقدرات محدودة وظروف مالية تزداد صعوبة.

الخرطوم وجوبا بحاجة إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس ودراسة تبعات سلوكهما بدقة. إن قرار تجاهل المفاوضات وتبني مواقف عدائية لن يؤدي إلى شيء إلا إلى إلحاق الضرر بالطرفين. ربما تجني كل حكومة، بتحدياتها الداخلية الخاصة، مزايا سياسية قصيرة الأجل من إظهار مشكلاتها، غير أنه لا يوجد حل عسكري، وسوف يعاني الطرفان من حرب شاملة. سيكون لتدمير البنية التحتية النفطية تبعات اقتصادية طويلة الأمد. يشكل الاستقرار أهمية لكل من الشمال والجنوب من أجل التطور والازدهار، وبالتبعية التمتع بالاستقرار على المدى الطويل. إن زيادة حدة الخطاب المحمل بمشاعر الغضب ودعم ثوار كلا الطرفين والقيادة والسيطرة الضعيفتين والمجازفة السياسية، يهدد بتحويل النزاع المحدود المسيطر عليه إلى مواجهة واسعة النطاق بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.

يتحتم ممارسة ضغط دبلوماسي من قبل المنطقة والأمم المتحدة ومجلس الأمن، إضافة إلى شركاء مثل الولايات المتحدة والصين وعدد من دول الخليج الرئيسية، على حكومتي الدولتين من أجل إنهاء العداء والعودة إلى المفاوضات. ومن الضروري أن تتمثل الأولوية الرئيسية في وقف إطلاق النار وإبرام اتفاق أمني بين الشمال والجنوب، وأيضا في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولكن من الأهمية بمكان بالمثل، على المدى الطويل، التوصل إلى حلول للقضايا المعلقة ما بعد الاستفتاء والنصوص التي لم يتم تنفيذها من اتفاقية السلام الشاملة (التي أنهت الحرب الأهلية في عام 2005) والإصلاحات الداخلية في الدولتين.

* مدير مشروع القرن الأفريقي في «مجموعة الأزمات الدولية»