التحية للشيخ عائض القرني

TT

درج رجال الدين أو ممن يسمّون بـ(المطاوعة) هم وتلاميذهم على لباس (الغترات والأشمغة) التي هي عبارة عن قطعة قماش مثلثة توضع على الرأس دون (عقال)، درجوا على ذلك لكي يكونوا مميزين (شكلا وموضوعا) عمن سواهم من عامة الناس الذين هم على شاكلتي من (الهابقين).

والغترة لمن لا يعرف كلمة محرفة من كلمة (الجتر) الفارسية، كما أن كلمة الشماغ (الغطاء المحبب لدى الغالبية العظمى من المطاوعة)، أتت أيضا محرفة من الكلمة التركية (اليشمك)، وهو غطاء رأس للمرأة التركية (الأرستقراطية). عموما فالشماغ هو حديث عهد في جزيرة العرب، فهو أتى أول ما أتى من تاجر بريطاني وصل إلى البحرين قادما من الهند، أوائل القرن الماضي، ومعه أقمشة (منقطة بالأحمر والأبيض) لكي يبيعها كأغطية لموائد الأكل في المطاعم الشعبية في لندن، وأبحرت الباخرة دون أن يلحق بها، فباعها كجملة في البحرين، فتقاطعها الناس هناك واعتمروها على رؤوسهم، وبعدها (كرّت السبحة).

وكان رجال الدين قبل ذلك يحفّظون أبناءهم في (الكتاتيب) وفي المساجد هذه الأبيات من الشعر:

يا منكرا فضل (العمامة) إنها

من هدي من قد خصّ بالقرآن

وكذاك كانت للصحابة بعده

والتابعين لهم على الإحسان

ليست كلبس الجند في أزماننا

حاشا وربّي كيف يستويان

هذي شعار ذوي التقى

وذا (للزّكرت) وكل ذي طغيان

وأعترف أنني منذ مراهقتي وما زلت (زكرتي) - وهي تعني (العايق والنصّاب والمتباهي) - وياما نكست عقالي حتى يصل إلى أرنبة أنفي، وياما أملته على جنب إلى أن يصل إلى طرف أذني، مرددا قول الشاعر النبطي: (لا ناشدن عنك ولا قايلن من).

والذي دعاني إلى التطرّق لهذا الموضوع هو ما قرأته في مقابلة للدكتور (زيد الزيد)، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود، عن مشروعية لبس (العقال) لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف، فقال: لا يوجد حرج في ذلك، إلا أن هذا الأمر لم يعهد لدينا عند رجال الحسبة (!!) - انتهى.

وكأني بهم أرادوا أن يكونوا مميّزين، وحاشاهم أن يكونوا مثل القساوسة أو الحاخامات أو رجال الدين من البوذيين، وكل منهم يلبس لباسا معروفا يميزه عمن سواه، وإنني أربأ برجال الحسبة (حرسهم الله من كل مكروه) أن يكونوا كذلك، ولكن لا تؤاخذونا، فالحديث جر بعضه.

وبالمناسبة، هناك نكتة فرنسية متداولة سبق أن ذكرتها وهي تقول: ما الفرق بين صندوق الزبالة ورأس اليهودي؟ فكان الجواب أن صندوق الزبالة ليس له غطاء في حين أن رأس اليهودي المتدين عليه (طاقية)، ولا أدري إلى الآن حجم (الطواقي) التي نعتمرها نحن على رؤوسنا، وهل هي أصغر من طواقي اليهود أم أكبر؟!

عموما، لم تذكر لنا كتب التاريخ على كثرتها أن رسول الله (عليه أفضل الصلاة والسلام) أو صحابته أخذوا لهم زيا مختلفا عن سائر الناس، وهؤلاء (المطاوعة)، مع احترامي، ليسوا يقينا أكثر تدينا من الصحابة.

وإنني بهذه العجالة أكبر الشيخ الدكتور (عائض القرني) الذي كسر (التابو) بكل شجاعة، ووضع على رأسه الكريم (عقالا) دون أي حرج، ولو أن ذلك العقال كانت له (دناديش) من الخلف لكان أفضل وأكثر (شياكة). عموما أتمنى أن يستمر بلبسه، لأنه بالفعل كان أكثر وسامة، خصوصا إذا تبسم.

[email protected]