المؤامرة على جسم الإنسان

TT

حديث المؤامرات هو شاغل الأمة. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون له نصيب في نادي حديث الأمة بلندن. ما إن انتهت الفاضلة لميس عبد الله من التعليق على فيلم «رمال العرب» من إخراج مجيد عبد الرزاق عن الرحالة ولفريد ثيسنغر، حتى وقف أحد الحاضرين، عراقي طبعا، وقال رحلة ثيسنغر عبر الربع الخالي ليست سوى مؤامرة تجسسية بريطانية. واحتدم النقاش.

وكعراقي آخر مغرم بالمؤامرات، اكتشفت مؤامرة أكبر. وهي مؤامرة الرأسمالية على جسم الإنسان. يأتي موسم فتجد وسائل الإعلام، التلفزيون والصحف والإذاعات، وحتى الأوساط الجامعية، تتبارى في إقناع الناس بأن كعكة التفاح المطيب بالدارسين مفيدة للصحة، تخفض الضغط وتهدئ الأعصاب وتمنع الكآبة وتقوي الباه.

ينهمك القوم في استهلاك هذه الكعكة. يأكلونها مع الشاي ومع القهوة، قبل الطعام وبعد الطعام، عند المنام وبعد المنام. ترى رجل الأعمال لا يخرج لأعماله حتى يدس في شنطته كعكة تفاح بالدارسين. تمر الأشهر فتمتلئ عيادات الأطباء بالمرضى. إنها السمنة وإنها السكري. خفض وزنك!

موجة إعلامية جديدة. الصحف والمجلات والإذاعات تعج بالمقالات والإعلانات عن وباء البدانة. ومعها شتى الإعلانات عن عقاقير لتخفيض الوزن. تليها موجة أخرى من الإعلانات عن معدات رياضية، دراجات وقفازات وأثقال وأحمال لاستهلاك السمنة والدهون المتراكمة في الجسم. وتظهر شتى الدراسات والمقالات تحذر الجمهور من استهلاك أي نوع من الكعك، بالتفاح والدارسين أو من دون التفاح والدارسين. بدلا من الكعك، عليكم باللوز والمكسرات. تمتلئ المخازن بأكياس وصناديق كبيرة ممتلئة باللوز والفستق والبندق. تجد الحسان في القطارات والحافلات منشغلات بتقشير الفستق وقضم اللوز.

تمر الأشهر فتمتلئ العيادات بمرضى يئنون من وجع البطن وتقرح المعدة. حملة جديدة من الإعلانات عن مصحات وحمامات معدنية لمعالجة أمراض المعدة والسيطرة على الوزن في ستة أسابيع. الأجرة ثمانون ألف دولار في الأسبوع. تدخل المصح فتسهر عليك حسناوات وممثلات سينما يركضن معك المائة متر للرياضة، ويسبحن معك نصف ساعة في أحواض المصح. تعود لبلدك جذلا ممتنا. تجد وزنك وقد انخفض فعلا إلى تسعين كيلوغراما وزالت كل آلام المعدة. تمر بضعة أسابيع وإذا بوزنك يعود إلى ما كان عليه، بل يتجاوزه إلى مائة وثلاثين كيلوغراما. تعود للطبيب لوجع في الظهر. يهنئك على الشفاء من القرحة. ولكن آسف الركض لم يناسبك. عندك الآن فقرات خربانة!

تجلس في غرفة الانتظار وتتصفح مجلة الـ«نيوستيتسمان» فتجد أن تسويق الكعكة بالتفاح قامت به شركة المعجنات الوطنية التي هي فرع من شركة صيدلانية التي اندمجت مؤخرا مع شركة للمعدات الرياضية. وتضمنت عملية الاندماج تأسيس شركة استثمار للمصحات والحمامات المعدنية. تمضي في تصفح المجلة فتقرأ تقريرا يفيد بأن كل هذه الشركات تنضوي في الواقع تحت مظلة مؤسسة واحدة، التي يملك تسعين في المائة من أسهمها شخص مقيم في جزر الكناري. وهو أيضا المالك الشرعي لثلثي وسائل الإعلام الشعبية.