المجد للقبلة (الكلاسيكية)!

TT

بينما كنت في زيارة لأحدهم إذ دخل علينا حفيده (الكتكوت) ذو العامين، فتلقفه الجد فرحا وقذف به للأعلى وتلقفه عدة مرات، ثم هوى (ببراطمه) الغليظة، وشواربه الكثيفة على ثغر الصغير وأخذ (يمطقه) ويقبله بعنف عدة مرات، والطفل المسكين (يفرفص) بين يديه يريد الخلاص دون جدوى، فما كان مني بعد أن أخذتني الشفقة إلا أن أنتزع الطفل منه قائلا له: حرام عليك، ما هكذا يكون التقبيل، خصوصا للأطفال!

فامتعض من تدخلي لأنه قال لي: والله إنك مثل ذلك الأعرابي الذي رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقبل الحسن والحسين، فتعجب من ذلك وقال للرسول: إن لي أحد عشر ابنا لم أقبل أحدا منهم قط!

قلت له: ونعم الرسول، ولكنني أشك أنه وهو الشفيق الرحيم قد قبل حفيديه مثل تقبيلك هذا الذي تنفر منه حتى الحيوانات. انتهت زيارتي له وخرجت من عنده دون حتى أن نتصافح.

وما إن عدت لمنزلي حتى أخذت أفكر في تلك المسألة الشائكة التي تدعى (القبلة)، وهي في نظر علماء النفس ما هي إلا مسلك كسائر التصرفات البشرية، وهي منبه يصل لنا عن طريق الحواس التي يزعم البعض أنها ليست خمسا ولكنها قد تصل إلى اثنتي عشرة حاسة.

وهناك فرق بين التقبيل الذي دوافعه الرحمة والحنان للأبناء، والتقبيل الذي تهيجه لواعج الغرام، وتقبيل العادة الاجتماعية التي يبالغ بها البعض عند كل دخول أو خروج، فتضطر مجاملا أن تعطي بعض المتحمسين خدك أو (صابرك) وأنت تكتم أنفاسك وتغمض عينيك وتجعل من رأسك ألعوبة يؤرجحها كيفما شاء ذات اليمين وذات الشمال إلى أن يفرج عنك، وبعدها تحمد الله كثيرا أنك تخلصت منه، وتكون الطامة كبيرة لو أن هناك رتلا من الأشخاص يأتون خلفه وكل واحد منهم يريد أن يأخذ حقه ويقوم بالواجب بتقبيلك، وتكون الطامة أكبر وأكبر لو أنك وقعت في مصيدة بعض أبناء الخليج الذين عادة التقبيل عندهم هو المصادمة بالخشوم - أي الأنوف - فتتحول بقدرة قادر أمام كل واحد منهم إلى ديك يتناقر مع ديك آخر. غير أن تقبيل (المناقرة) هو عندي أرحم من تقبيل بعض القبائل الآسيوية الذي يصل إلى درجة الشم واللحس والعض كذلك، وأزفت من ذلك كله هو التقبيل المتبادل بين بعض الناس وحيواناتهم، ولا يمكن أن أنسى موقفا حصل لي عندما ذهبت حسب الموعد إلى مكتب (بزنس مان) لزوم الشغل، وفتحت لي الباب سكرتيرته الحسناء وهي تعتذر لي عن تغيب رئيسها قائلة لي: إنني أستطيع أن أقوم بالمهمة بدلا منه على أكمل وجه. فصافحتها قائلا لها مفاكها: الحمد لله الذي بدل لنا درهمنا بدينار. وما إن جلست على الكرسي ممنيا نفسي بيوم جميل يحقق لي بعض المكاسب، إذ بكلبها المدلل يقتحم علينا خلوتنا ويقفز في حضنها، وتركتني هي وأخذت بتقبيله، وهو يتلوى في حضنها ويلعق يديها ووجهها - إي والله يلعق وجهها - وكانت طوال الوقت تضحك وتترقص وهي جالسة في مقعدها، فتبدل إعجابي بها دفعة واحدة إلى (القرف)، وبدلا من أن أتفاوض معها في العمل اعتذرت منها للقاء رئيسها في وقت آخر، وسألتها عن الحمام الذي ما إن دخلته حتى غسلت يدي بالصابون جيدا، وخرجت دون أن أصافحها، كما فعلت مع الجد الذي بدأت به هذا المقال.

عموما القبلة (الكلاسيكية) المعتبرة من وجهة نظري القاصرة، تشمل أربع حواس هي: اللمس، والسخونة، والضغط، والشم، ومن الممكن في بعض الحالات النادرة أن تشمل الذوق كذلك.

[email protected]