بو تشيلاي وأسرار فساد الصين

TT

تقدم قضية بو تشيلاي فرصة لتهدئة روع من يعتقدون أن الصين الناهضة ستحل محل الولايات المتحدة في المستقبل القريب، بداية لأن الصينيين يعرفون أن الفضيحة ليست سوى قمة جبل الجليد من الفساد الذي يهدد البلاد، وثانيا أن القيادة في بكين تدرك أن الفضيحة كانت ستصبح أكثر فوضوية، ما لم يحافظ البيت الأبيض على هدوئه خلال الشهرين الماضيين.

القصة المحيطة ببو، مسؤول الحزب الشيوعي المفصول في مدينة تشونقنغ، بعيدة الاحتمال وتضم الكثير من الخيوط، حتى أنها إذا قدمت إلى ناشر روايات جاسوسية فلن يصدقها. تتناول القصة زوجة ماكرة، وبريطانيا ميتا، ربما يكون العشيق، ومسؤول الشرطة الذي حاول التخلي عن رئيسه بالهرب إلى القنصلية الأميركية، وبعد أربع وعشرين ساعة من التزلف إلى الأميركيين، تم طرده من السفارة.

يشبه أحد خبراء الشؤون الصينية بو بنويت غينغريتش، فهو صاحب شخصية كاريزمية ورجل طموح إلى أبعد حد قد يرغب أي شخص آخر في القيادة أن يوقفه قبل أن يتمكن من شق طريقه إلى النخبة الصينية الأكثر تميزا في الصين، والمتمثلة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي.

الفساد الذي طفا على السطح في قضية بو يشكل حدثا فريدا إلى حد بعيد، فيقول كنيث ليبرثال، خبير الشؤون الصينية في معهد بروكينغز، إن شبكات محسوبية مشابهة تنتشر في البلاد، فكبار المسؤولين في الحزب يستغلون الأقارب في جمع الرشى، من خلال دفع الرشى إلى شركات المحاماة أو شركات الأسهم الخاصة، تماما كما فعل بو مع زوجته. حتى أن غالبية المسؤولين البارزين مثل الرئيس هو جينتاو ورئيس وزرائه وين جياباو يقال إن من أقاربهم من يثير سلوكهم الشكوك.

وحذر تشينغ لي، خبير آخر في الشؤون الصينية في معهد بروكينغز، أنه «ما لم يطور الحزب نفسه، فسوف يواجه ضربة قاضية. وإذا واصلت القيادة التعتيم على الفساد فقد ينفجر النظام».

قضية بو هي واحدة من اللحظات التي تسمح للأجانب باستراق النظر للجانب المظلم من النهضة الاقتصادية الصينية.

هذا القدر الضئيل من المعرفة بشأن الفساد المتفشي في الصين يتضح أيضا عندما ترى أن مسؤولا محليا أنفق مليون دولار في ليلة واحدة في كازينو في ماكو، بحسب أحد المراقبين الصينيين. كيف تمكن هذا المسؤول الصغير نسبيا من الحصول على مثل هذا المبلغ الضخم؟ الإجابة، بحسب المراقب، هي أنه سرقه من خلال الأصدقاء والعائلة.

ويعتقد المحللون أن الفساد المستشري في الصين أحد الأسباب وراء مواجهة فترة من عدم الاستقرار السياسي في الوقت الذي حققت فيه مكاسب اقتصادية رائعة خلال السنوات الأخيرة. وبقدر ما تبدو عليه الصين من رخاء، تبدو ملغزة بشبكات السلطة والامتيازات الفاسدة - تدار من قبل نخبة قلقة تحول المكاسب غير الشرعية إلى حسابات مصرفية أجنبية قبل أن يتم القبض عليها.

وقد أشار ليبرثال إلى أن القلق أصاب شبكة حلفاء فساد بو، أي شخص يمكن أن تكشفه التحقيقات التي أطاحت بزعيم تشونغقنغ.

هنا تلعب الولايات المتحدة دورا ثابتا تجاه صين لا تزال هشة، فعندما دخل مسؤول الشرطة في تشونغقنغ، وانغ ليغون، إلى القنصلية الأميركية في تشنغدو في أوائل فبراير (شباط) يحمل أشبه ما يكون بديناميت سياسي، كان من الواضح أن لديه وثائق تدعم مزاعمه بشأن بو وزوجته ورفاقهما. لكن بعد استجواب الشرطي، اتصلت وزارة الخارجية بمسؤولين رفيعي المستوى في بكين، الذين حضروا إلى تشنغدو ووضعوا مسؤول الشرطة في طائرة وحملوه إلى العاصمة حيث يقبع الآن في السجن.

كان من الممكن أن تنشر الولايات المتحدة هذه الفضيحة وتثير المشكلات للصينيين، لكن الخارجية بدلا من ذلك، مدعومة من البيت الأبيض، قررت التعامل معها كحادثة سياسية داخلية شارك فيها مسؤول شرطي محلي فاسد. ويشكو بعض المشرعين الجمهوريين من أن البيت الأبيض رفض لاجئا محتملا، لكن تلك فكرة عقيمة. فاستخدام مثل هذا المسؤول كي يلعب ألعابا سياسية كان سيشكل خطأ، وقد أجرى مسؤولو الإدارة الاتصال الصحيح.

هذا الدور الأميركي الداعم تواصل في فبراير خلال الزيارة التي قام بها تشي جينبينغ، الذي يتوقع أن يكون الرئيس المقبل للصين. وقد واصلت إدارة أوباما الصمت بشأن الاضطراب الداخلي في الصين، وهي تعلم أن زيارة تشي كانت تغييرا اجتماعيا بارزا، وأنها كانت مهمة لبدء بناء صداقة جيدة مع الرجل الذي يتوقع أن يقود الصين عبر العقد المضطرب المقبل.

الصين بحاجة إلى علاقة جيدة مع أميركا أكثر مما تبدو في بعض الأحيان، واقتناص هذه الميزات قصيرة الأجل لمصاعب الصين ليس بالعمل الذكي، خاصة في ظل تحول الدولة باتجاه قيادة جديدة، نأمل أن تكون أكثر انفتاحا.

* خدمة «واشنطن بوست»