لماذا لا يطمئن ملالي إيران؟

TT

في الوقت الذي تستأنف فيه إيران والغرب «رقصتهما الدبلوماسية»، هناك بعض الأسئلة التي تلوح في الأفق حول الاستقرار الداخلي في إيران.

يبدو للكثيرين أن إيران قد تمكنت من تحقيق نوع من الاستقرار الاستبدادي، حيث نجح الملالي في هزيمة الحركة الخضراء التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة. وأثنت السلطة الدينية على الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا في إيران، والتي قوبلت أيضا بترحيب حذر من قبل الكثيرين في المجتمع الدولي والذين يأملون أن يقوم المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي بثت فيه تلك الانتخابات الروح من جديد، بالتركيز الآن على إصلاح العلاقات مع منتقديه حول العالم.

وتتناقض تلك القراءة للسياسات الإيرانية مع فهم تاريخ إيران المضطرب، حيث يكشف تاريخ فترة ما بعد الحروب في إيران عن صراع دائم بين الحركات الاجتماعية المتعاقبة التي تسعى للتحرر والمساءلة من جانب، والحكومات المستبدة التي تعتمد على القمع من جانب آخر.

ولطالما استعصى حلم الاستقرار القائم على الاستبداد على القادة الإيرانيين، سواء أكانوا ملوكا أم إسلاميين، لأنهم دائما ما كانوا يواجهون شعبا مسلحا بروح المعارضة الباسلة. وعادت تلك الروح لتطفو على السطح مرة أخرى، مسببة حالة من الارتباك في السياسات الإيرانية، والتعقيد في المسار الدبلوماسي الذي تنتهجه طهران.

وكانت أزمة تأميم صناعة النفط في خمسينات القرن الماضي بمثابة أول مظاهر الثورة الشعبية التي هزت إيران، وكانت فكرة أن الولايات المتحدة الحاقدة التي تتآمر على رئيس الوزراء السابق محمد مصدق تطوي في ثناياها أكثر مما تظهر، حيث إن حزب الجبهة الوطنية الذي قاد جهود التأميم كان في الواقع ائتلافا من الإصلاحيين الليبراليين والمثقفين، وعناصر من الطبقة الدينية والنشطاء الاشتراكيين، وبعض المهنيين من الطبقة المتوسطة.

ومن المهم أن نلاحظ أن مطالب حزب الجبهة الوطنية قد تجاوزت قضية النفط، حيث مارس الحزب ضغوطا من أجل تشكيل حكومة ممثلة لفئات الشعب، مع ضرورة ترسيم الحدود الدستورية للسلطة، وسعت حكومة حزب الجبهة الوطنية، التي تولت السلطة لفترة وجيزة، إلى تطوير التعليم العام وإنشاء نظام صحي في متناول عامة الشعب. وكانت الإصلاحات القضائية التي اقترحتها تلك الحكومة تهدف إلى ضمان المساواة أمام القانون، بينما كان الغرض من الجهود التي قامت بها لتوسيع صلاحيات الحكومات المحلية هو تحقيق اللامركزية في السلطة. ولم تكن هذه مجرد حركة لاستعادة الموارد الإيرانية، بل كانت تحالفا تقدميا يسعى إلى تطوير المجتمع والحكومة الإيرانية. وربما يكون الانقلاب الذي أطاح بمصدق قد وضع نهاية لفترة حكم حزب الجبهة الوطنية، ولكنه لم يدمر سياسات المعارضة الإيرانية.

وكانت هناك أزمة أخرى في الستينات من القرن الماضي حول التدخلات الأجنبية، والتي أثارت مطلبا آخر ينادي بالتغيير الديمقراطي، حيث كان التشريع الذي اقترحه الشاه حول إعفاء القوات العسكرية الأميركية من الخضوع للقانون الإيراني بمثابة الإجراء الذي أثار تلك الأزمة، وكان هذا هو الوقت الذي قرر فيه آية الله روح الله الخميني التقدم لقيادة ائتلاف وطني، والذي تجاوز بسرعة مسألة التجاوزات الغربية إلى تحدي حكم الشاه.

وتداخلت موضوعات التدخل الأميركي وحكم الشاه الديكتاتوري بصورة سريعة، حيث كان ينظر للتمكين الديمقراطي على أنه الطريق الحقيقي نحو السيادة الوطنية. وقام نفس هذا التحالف فيما بعد بثورة عام 1979، التي تم اغتصاب تطلعاتها الرامية إلى الديمقراطية وسيادة القانون من قبل عملاء الاستبداد الديني.

ومثلما كان الوضع مع السلالة الحاكمة التي حلت محلها، عانت الجمهورية الإسلامية من حالة الارتباك بسبب المعارضة. وقامت مجموعة مختارة من الساسة والقادة الدينيين وعلماء الدين والمثقفين في تسعينات القرن الماضي بمحاولة مبدعة لإعادة النظر في دور المشاركة العامة في حكومة إسلامية.

وتمثل التحدي الذي واجه هؤلاء الإصلاحيين في التوفيق بين مطلبين ينافس كل منهما الآخر: فمن جهة كان هناك الإسلام بمطالبه الشمولية، ومن جهة أخرى كانت هناك الحداثة السياسية بمطالبها الديمقراطية، ولكن الإصلاحيين ادعوا أن هذين العالمين لا يتعارضان من حيث المبدأ أو الممارسة.

وكان هذا بمثابة توبيخ ملحوظ للإسلام الشمولي، الذي كان يعمل على خدمة آيديولوجية النظام على نحو متزايد. وتتسم ملحمة حركة التغيير بأنها مألوفة ومأساوية في نفس الوقت، حيث فشل الرئيس محمد خاتمي وحلفاؤه في نهاية المطاف في تعديل مؤشر الحكم الإسلامي في إيران. ورغم ذلك، لم يطمئن حراس الحكومة الدينية بسهولة، حيث قام الإصلاحيون بإفساح الطريق بسرعة أمام «الحركة الخضراء» الأكثر قوة.

ومن أكثر من ناحية، تعد «الحركة الخضراء» امتدادا لكافة الائتلافات السياسية السابقة التي سعت إلى تحرير إيران. ولكي يشعر بالراحة والطمأنينة، نجح النظام في استعادة السيطرة على الشارع من خلال استخدام القوة الغاشمة والمحاكمات الهزلية والقمع، ورغم ذلك، فإن الشيء الأهم في تلك الأحداث هو نجاح «الحركة الخضراء» في قطع الصلة الرئيسية بين الدولة والمجتمع.

وسعت الدولة الإسلامية منذ وقت طويل لتقديم نفسها كنموذج مختلف عن الأنظمة الاستبدادية النمطية في الشرق الأوسط، حيث وفرت لها الانتخابات التي تجريها مظهرا من مظاهر الشرعية، تلك الشرعية التي تلاشت جنبا إلى جنب مع الدعامة الجمهورية للدولة.

ولا تزال الجمهورية الإسلامية صامدة، على الأقل في الوقت الراهن، حيث لا يزال هذا الخلط بين القوميات المتشددة والإسلام السياسي، الذي قاد السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في العقود الثلاثة الماضية، سليما كما كان.

وخلف تلك الواجهة من النظام والاستقرار، لا تزال الدولة الدينية تواجه أزمة عميقة من الشرعية. ومن المستحيل التنبؤ بما إذا كانت «الحركة الخضراء» ستعود إلى الحياة مرة أخرى أم لا، ولكن أيا كان مصيرها، يؤكد التاريخ أن هناك حركة اجتماعية أخرى على الأبواب، مستعدة لتحدي رجال الدين.

* زميل بارز في مجلس

العلاقات الخارجية

* خدمة «نيويورك تايمز»