الماء والشريعة

TT

ألقى الدكتور كاظم جواد شبر محاضرة في بيت السلام (مؤسسة الحوار الإنساني في لندن) بمناسبة نشر ترجمته لكتاب «اقتصادنا»، للعلامة محمد باقر الصدر، رحمه الله. يتناول هذا الكتاب السميك والموسوعي نظرة الكاتب للاقتصاد الماركسي، ثم ينتقل إلى الاقتصاد الليبرالي، ويطرح أخيرا فكرته عن الاقتصاد الإسلامي. وقد عقد في إيران مؤخرا مؤتمر عن هذا الكتاب حضره الدكتور شبر.

يؤكد الباحث العلامة في كتابه ضرورة احترام مجرى الماء وعدم التعرض لتدفق المياه كما ورد في السنة النبوية. وهو موضوع يشكل جزءا كبيرا من الكتاب. لم أكن بين من حضروا ذلك المؤتمر في قم. ولكنني أفترض أنهم تعرضوا لهذا الأمر، وهو موضوع يهم إيران وعلاقاتها بالعراق. فالمعروف أن كثيرا من المزارع العراقية المتاخمة لحدود إيران تعتمد على مياه الأنهر المتدفقة من جبال زاغروس في إيران. وغالبا ما استخدمت طهران هذه الواقعة في الضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة، خلافا للمواثيق الدولية التي تتضمن في الواقع ما جاء في السنة النبوية من احترام تدفق مياه الأنهر المشتركة. ولكن هذا الموضوع ظل من المشاكل الدبلوماسية المستمرة بين البلدين. وطالما قرأت في الصحف العراقية برقيات الاستنجاد الواردة من المزارعين العراقيين، في قطاع مندلي وجلولاء مثلا، وهم يهيبون بالحكومة التوسط مع إيران لإنقاذ بساتينهم ومزارعهم من الموت جفافا.

قلما يدرك البعض أن من أسباب غزو صدام حسين لإيران (حرب الخليج الأولى) كانت هذه المعضلة. وجعل الجيش العراقي من أولوياته في الهجوم نسف كل السدود التي كانت تتحكم بتدفق المياه من جبال زاغروس إلى العراق.

ولربما كان هذا الموضوع هو ما حفز العلامة محمد باقر الصدر إلى تخصيص هذا الحيز الكبير من «اقتصادنا» لهذا الأمر. والمفروض عمليا أن النظام الإيراني الحالي الذي احتفل بهذا الكتاب ويدعي بفكرة الاقتصاد الإسلامي، أن يلتفت لهذه النقطة ويراعي حقوق الماء، كما أوصى بها النبي، صلى الله عليه وسلم. ولكن الأنباء التي وردت من العراق قبل أيام تضمنت مظاهرات فلاحية قام بها المزارعون العراقيون في قطاع جلولاء في مسيرة إلى الحدود الإيرانية ليتوسلوا بالإيرانيين أن يفتحوا الماء قبل أن تهلك مزارعهم ومحاصيلهم. يخيل لي أن مشاهد مماثلة جرت على امتداد المزارع العراقية المتاخمة لإيران، علما بأن هذه التصرفات اللاقانونية واللاإسلامية جرت في هذه المرحلة التي تهيمن فيها إيران على العراق وضد فلاحين من الطائفة الشيعية. لم أسمع بعد أن السيد نوري المالكي قد أثار هذا الموضوع مع المسؤولين الإيرانيين خلال زياراته المتكررة لطهران.

أما والحالة هذه، فقد عدت لمساءلة السيد المحاضر عن مشاهداته في إيران. سألته ما الذي طبقوه من الشريعة؟ قال أمموا البنوك ومنعوها من الربا. ولكن حاجة المواطنين للاقتراض أدت لظهور بنوك خاصة تتعامل بالربا بصور وأساليب مختلفة. ولم يستطع الأستاذ المحاضر أن يذكر أي مثال آخر لتطبيق الشريعة هناك، بيد أنني أتذكر أنهم حاولوا رجم إحدى الزانيات ولكنهم تراجعوا أمام موجة الاحتجاج العالمي. لم يرغبوا في إضافة مشكلة جديدة إلى مشاكلهم الكثيرة مع العالم.