كرة الثلج العراقية

TT

علينا أن نعترف بأن البعض يريد عودة الطائفية الدينية للعراق، والبعض المقصود هنا هم الصف الأول من السياسيين في البلد، ولعل الأشهر القليلة الماضية سادتها نبرة طائفية، سواء في التصريحات أو تفسير ما يحصل، المواطن العراقي بدأ يسأل: متى يغادر الساسة في البلد خنادقهم هذه؟

طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية المتهم بأكثر من 150 تهمة جنائية يقول بأنه مستهدف، لأنه يمثل طائفة ومكونا عراقيا! فرج الحيدري رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تم توقيفه فجاءت التصريحات من الأغلب بأن هذا اعتقال سياسي يقصد به مكون عرقي وهم الأكراد.

وهذا يعني أن لا أحد يمكنه اتهام أحد ما دامت «نظرية المؤامرة» تحكم العقلية السياسية في العراق.

والسؤال هنا: كيف يمكن أن نقضي على الإرهاب والفساد إن لم نكن قادرين على محاسبة من يقوم بهذا الفعل؟ فمن يأخذ رشاوى أو يرتكب جريمة، إما أن يكون سنيا أو شيعيا أو كرديا، ولا يمكن محاسبته لأنه استهداف للمكون الاجتماعي الذي ينتمي إليه، وأي مذكرة اعتقال تصدر من القضاء العراقي تتحول إلى أزمة، ولا نستبعد أن تأخذ هذه الأزمة مدياتها لتتحول إلى كرة ثلج تظل تتدحرج إلى ما لا نهاية.

وكرة الثلج هذه باتت سمة الأزمات العراقية الجديدة منها، والمرحّلة من السنوات الماضية، ومن ينظر إلى قضية طارق الهاشمي، الذي ما زال يحتفظ بمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، سيجد أن الأزمة كان يمكن حلها بسهولة عبر آلية يقوم بها الهاشمي نفسه بتسليم أفراد حمايته للقضاء العراقي وينتهي الأمر بقضيته لتحل سياسيا كما حل الكثير من القضايا السابقة والمشابهة. وعلى ما يبدو، فإن الرجل رفض، وغادر بغداد ومعه كرة الثلج إلى كردستان التي وجدت نفسها في ملعب واحد مع الهاشمي الذي اتخذته وسيلة تضرب بها الحكومة الاتحادية التي تختلف معها في قضايا كثيرة ليس من بينها الهاشمي وقضيته.

ولو قلت الآن لمسعود بارزاني: ماذا تريد من الحكومة الاتحادية؟ لقال لك أشياء كثيرة ليس من بينها قضية الهاشمي بالتأكيد، لأن السيد الهاشمي لا يعني لمسعود بارزاني شيئا؛ فهو ليس حليفا استراتيجيا للأكراد، ولم يكن كذلك في يوم ما، ولن يكون حليفا لهم إذا ما تمت تسوية قضيته سياسيا وفاز بمقاعد في الانتخابات القادمة، خاصة أنه وقف على الضد من إعدام منفذي جريمة حلبجة وهما وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم ورئيس الأركان حسين رشيد، وتصدت له القوى الكردية آنذاك عبر الإعلام بشكل كبير جدا.

لذا، فإن ما نريد أن نقوله هو أن مسعود بارزاني الرجل المحنك سياسيا اتخذ من قضية الهاشمي معبرا (كوبري) يطرح من خلاله ما يريده لا ما يريده الهاشمي. وكما قلنا فإن الخلافات بين الأكراد والقائمة العراقية التي ينتمي إليها الهاشمي هي أكبر من خلافات الأكراد مع الشيعة، وهذا يعرفه القاصي والداني في العراق، خاصة فيما يتعلق بالمادة 140 من الدستور العراقي التي تخص كركوك والمناطق المتنازع عليها في صلاح الدين والموصل وديالى والأنبار، ولكن كرة الثلج تحتاج لمن يدحرجها أكثر لتكبر ويستثمرها قبل الذوبان.

لكن أخطر ما في كرة الثلج هذه أنها تسير وفق منعرجات طائفية خطيرة جدا، ولا أحد يتوقع متى تذوب هذه الكرة وماذا ستنتج من خرائط جديدة في العراق؟

قد تنتج كرة الثلج هذه دولة كردية، وهذا متوقع سواء الآن أو في السنوات القادمة، ولا ضير في ذلك ولا ضرر، لأن من حق الأكراد أن تكون لهم دولة، والشيعة في العراق ليست لديهم مشكلة مع الأكراد مطلقا في هذا، بل يمكننا القول إن البعض يرى أن الدولة الكردية هي حل قبل أن تكون مشكلة، وربما هذا التصور بدأ في النضوج أكثر لدى أطراف كثيرة في العراق، والمشكلة الحقيقية هي في التهديد بالانفصال دون التنفيذ، لأن التهديد يعني الأزمات، والتنفيذ يعني إنهاء الكثير من الأزمات والاستكانة للأمر الواقع.