«تويتر» لن يقتل الصحافة

TT

الزميل الأستاذ مشاري الذايدي دخل أمس في لغط عصر التويتر ونهاية الصحف، الأقوال القديمة المكررة. وقد اعتدنا على مثل هذه الأحكام المتعجلة مثل قول أحد المعلقين الرياضيين الأسبوع الماضي إن ميسي أهم لاعب في القرن الحادي والعشرين، مع أنه بقي 88 عاما على نهاية القرن!

قبل أكثر من عشر سنوات شاركت في ندوة في أبوظبي عن الإعلام وكانت الرسالة التي رددها بعض المشاركين تقول بأن عصر الصحف أفل ولم يتصد أحد لهذه النبوءة. أخذت لنفسي خطا مخالفا، قلت الصحف لن تختفي لمائة عام أخرى، الذي سيتغير وسائطها. وهنا علينا ألا نخلط بين أمرين، الوسيلة شيء والمحتوى شيء آخر. فأول صحيفة ظهرت كانت ألمانية في مطلع القرن السابع عشر، ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف الصحف حتى بعد تبدل أشكال الطباعة ودخول الإذاعة والتلفزيون. طبعا الصحافيون أقدم من الصحف، الجاحظ، الذي عاش قبل ألف ومائتي عام، كان من أعظم صحافيي التاريخ.

الصحف قد لا تبقى ورقية، قد تظهر كصحيفة بلاستيكية مطوية كما ظهرت في فيلم «ماينورتي ريبورت»، أو تليفون مشع على أي سطح، أو عبارة عن نظارات تقرأ من داخلها.

الصحيفة محتوى، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى، أما الكيفية التي تظهر بها، أو عليها، فهي مجرد وسائط ستتبدل بشكل مطرد وفق تطورات التقنية وحاجات الناس. الصحيفة الورقية تطبع عريضة لأنها صممت لمن يقرأها في بيته مثلا، أو تطبع تابلويد صغيرة لمن يركبون القطارات المزدحمة. والكومبيوتر يتطور سواء كان مكتبيا أو محمولا، بالنقر أو باللمس، أو هاتفا.. مجرد وسائط. وبالتالي نحن نعيش ثلاثة أجيال إعلامية في زمن واحد، الإعلام التقليدي كالصحف والتلفزيونات، والإعلام الجديد مثل الإنترنت، والآن الإعلام التواصلي مثل «تويتر» و«فيس بوك». أما الجدل حول فرع «تويتر»، المنبثق عن ثورة المعلومات المدهشة أبدا، فهو جدل - في ظني - يخلط ببن ضرع البقرة والبقرة نفسها. ويكفي أن تلاحظوا أن الإعلاميين متسيدون ساحة «تويتر»، وحتى رجال الدين الذين هم في قمة هرم «تويتر» هم إعلاميون لهم برامج تلفزيونية أو مشاركات إعلامية منتظمة، أما بقية مشاهير رجال الدين الذين لا شعبية لهم عليه فلأنهم لا يتعاطون الإعلام. ومن المؤكد أن بعض «المتويترين» العرب يزورون شعبيتهم، يشترون لأنفسهم أصواتا، وهذه مسألة قيمتها فقط مظهرية. إنما الأهم أطمئن الزملاء بأن «تويتر» لن يقتل الصحف، ولن تقتل التويتة، أي التغريدة الموجزة، مفهوم المقال مهما طال، مثلما أن المقالات لم تقتل الكتب ولم يدفن العود الكهربائي العود الخشبي.

أعتقد أن أعظم ما فعلته الوسائل الجديدة، وهي نفسها محل تطور وتغير، ليس توسيع دائرة الكتابة والقراءة بشكل هائل، بل أيضا - وهو الأهم في نظري - أوجدت التفاعل الذي تعجز عنه الصحف الورقية مهما باعت وانتشرت. وحتى مع فقر وخطورة اختصار الرسالة إلى مائة وأربعين حرفا فقط، لأنها تقتل المعلومة أو تصل بسهولة إلى الناس دون ضوابط مهنية، تبقى الحاجة إلى وجود الصحيفة بأي شكل تصدر، لأن الاختصار، بقدر ما هو ميزة، عيب أيضا، كما أورد أستاذنا سمير عطا الله وجادل السفير زياد الدريس. ولا يكفي تشطير المقال إلى عشرين تويتة ليشكل المعنى كما يريده كاتبه.

«تويتر» فعل خيرا للصحف والكتاب والصحافيين، وكذلك تفعل بقية الوسائل الاتصالية، وسعت دائرة قراءة الصحف وزادت من قراء المقالات الصحافية وليس العكس، وبالتالي لا يوجد مبرر للظن أننا هبطنا على كوكب مختلف ونتعامل مع مخلوقات مختلفة تثقفهم تغريدات موجزة. نحن في مجتمع متعدد الوسائط لا يزال يتشكل. أجمل ما فعلته هذه الوسائط ليس تمكين الجميع من المشاركة والتعبير، بل يضاف إليه تشجيع الأجيال الصغيرة على القراءة والكتابة، الأمر الذي كان يتناقص بسبب وسائل المشاهدة حتى كبرت عائلة الإنترنت وصار الصغار يرسلون في اليوم الواحد من الرسائل، كتابة، أكثر مما يكتبه جهابذة الإعلام، طبعا مع التحفظ على نوعية المحتوى.

[email protected]