الطعن والعزل

TT

تتردد في مصر يوميا هذه الآونة كلمتان: «الطعن» و«العزل». والأولى صحيحة لغويا وقبيحة بشريا؛ لأنها تشبه القانون بالحربة أو الخنجر، ويمكن استبدال ألف تعبير آخر بها. ويجري الطعن باسم الدستور والعزل باسمه أيضا. وقد خص بهما رموز وفلول النظام السابق وحكم «المخلوع».

طال «العزل» الفريق أحمد شفيق، باعتباره «آخر رئيس حكومة» في عهد المخلوع، ضابط ينفذ في ظروف استثنائية أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة. وهو نفسه يستقيل بعد جدل تلفزيوني مع الروائي علاء الأسواني. ماذا لو رفض الضابط تنفيذ الأمر؟ إلى أي محكمة عسكرية كان سوف يحال؟ ماذا لو لم يقف الجيش إلى جانب الثورة وقرر مواجهتها؟ ماذا لو لم يفصل الجيش بين الرئيس والناس ويختصر مرحلة المواجهة وينقل مصر إلى السلامة؟

انتقى محمد نجيب عام 1952 الدكتور محمود فوزي وزيرا لخارجية الثورة. كان الدكتور فوزي، الشركسي الأصل، ألمع دبلوماسي مصري في عهد فاروق. ثم أصبح ألمع دبلوماسي مصري في عهد عبد الناصر. يسمى هذا النوع من الرجال «المحترفين» المهنيين الذين يخدمون بلادهم لا رؤساءهم. يخدمون الدولة لا العهد. ينفذون بإتقان ودراية السياسة الوطنية في مراحلها: محمود فوزي أصبح رئيسا للوزراء في أيام أنور السادات.

تعودنا في العالم العربي أن كل عهد سابق هو عهد بائد. وأن كل عهد جديد هو عهد مبيد. لكن الدول لا تقوم إلا على الاستمرارية. والتغيير يقوم على التطوير والإصلاح لا على الإلغاء والعزل والإبادة. والعسكري لا تسري عليه القوانين المدنية بل القوانين العسكرية الأشد.

فإذا كان مرتكبا فالعقاب لا تهاون فيه، أما العزل بمجرد الانتساب إلى الفلول ومن دون تهمة محددة، ومن دون محاكمة، فهو جور غير جائز. أصغيت إلى دفوع كبار أساتذة الدستور في مصر حول المسألة، ويؤسفني أنني أفحمت، لكنني لم أقتنع. ولا أعرف كيف يمكن للقضاء أن يحكم بهدوء عندما يرى مليون إنسان في ميدان التحرير خلفهم مليون خوف من مليون شرارة ومليون طابور.

رفض الدكتور وحيد عبد المجيد المشاركة في ندوة للـ«بي بي سي» العربية؛ «بسبب وجود المتحدث باسم حملة أحمد شفيق». عهدت الدكتور وحيد من أشهر المدافعين عن حق الرأي الآخر وحرية التعبير. كيف سيقبل الآن بصفته نائبا الجلوس تحت سقف واحد مع مئات من الذين يستفظع مواقفهم؟ كنت أعتقد أن أول عمل له في مجلس الشعب سوف يكون مشروع اقتراح بإلغاء قانون العزل ومصطلح الطعن.