معادلة السعادة

TT

أحد أسباب عدم شعورنا بالسعادة، تجاه أمر ما، هو المبالغة في رفع سقف توقعاتنا، فيأتي الواقع مخيبا للآمال. فمعادلة السعادة بسيطة، فحينما تتوقع الحصول في اختبار ما على 9 من 10 ثم تكون النتيجة 4 فإن مقدار تعاستك أو صدمتك هو 5 درجات بالسالب (أي 4 مطروحة من 9)، والعكس صحيح، حينما تتوقع الحصول على 4 درجات فقط، وتكون النتيجة المفاجئة حصولك على 9 درجات، فإن مقدار سعادتك هو 5 درجات بالإيجاب (9 مطروحة من 4).

بعبارة أخرى مقدار رضا أو سعادة المرء يكون بطرح الواقع من التوقع. وربما هذا ما دفع ممثلة أميركية إلى أن تقول عبارة جميلة، ما زلت أعلقها على جدار مكتبي، وهي أنك «لن تكون أسعد مما تتوقع، لتغير مقدار سعادتك غير مستوى توقعاتك». وربما ينطبق هذا على ما نشاهده من أفلام وبرامج كنا ننتظرها بفارق الصبر، وما أن نشاهدها حتى تتضح لنا حقيقة الأمور. ومعادلة السعادة هذه تنطبق على سائر شؤون حياتنا، فعندما يتوقع الإنسان أن عمله هذا سيلقى قبولا كبيرا من مديره أو أصدقائه أو زوجته ثم يكون رد الفعل عكسيا، هنا تأتي الصدمة، والأمر نفسه يحدث عندما نحصل على مردود مالي متواضع على استثمار بالغنا نحن في تقدير عوائده ومخاطره.

وهناك الكثير ممن تخيم أجواء التعاسة على يومياتهم بسبب مبالغتهم في توقعاتهم، ومنها المبالغة باختيار الوظيفة. فالبعض يختار وظيفة كان يتوقع أن وجاهتها المجتمعية كانت كافية لتمنحه معينا لا ينضب من جرعات السعادة، لكنه لم ينتبه إلى أنه هو في الأصل لا يحب هذا العمل أو ليس لديه شغف أو ولع به أو ما يسمى بالـ«Passion»، فتراه مقطبا جبينه طوال ساعات العمل، بل وينتظر لحظة الانصراف بفارق الصبر، مثل تلميذ كسول لحظة فراره من أسوار المدرسة!

ولا يعلم هذا المسكين أن مقدار سعادته في العمل ينعكس على حياته الشخصية. وقد أشرت في كتابي «هل أنت سعيد في عملك؟» إلى استطلاع موسع للرأي أجرته منظمة غالوب الشهيرة أظهرت فيه أن 65 في المائة من السعداء في أعمالهم قالوا إنهم سعيدون في حياتهم الشخصية، في حين قال ما لا يتجاوز ربع «غير السعداء» في أعمالهم (24 في المائة) إنهم يشعرون «بغاية الرضا» عن حياتهم الشخصية، الأمر الذي فسره الباحثون بأنه يشير إلى أن هناك رابطا وثيق الصلة بين السعادة في العمل والحياتية الخاصة.

لكن واقع الحال يقول إن المسألة ليست مرتبطة فقط بالتوقع، فهناك من لا يبذل المجهود الكافي من الإتقان في عمل يؤهله لنيل استحسان من حوله حتى يشعر بلذة السعادة، فتجده ينهي أموره على مضض أو على عجل مستندا إلى خبرته ثم يتوقع قبولا من الآخرين لكنه يصدم!

السعادة موضوع شائك يمكن لكل فرد أن يدلي فيه بدلوه، لكننا نركز هنا على عنصر واحد من عناصر السعادة الحياتية وهو «التوقع» الذي لا يجب أن نبالغ فيه حتى نشعر بالحد الأدنى المعقول من السعادة.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]