سوريا اشترت الدعم الروسي بالنفط والغاز!

TT

قال لي مرجع أميركي إن النظام السوري لديه ورقة واحدة كبيرة: روسيا. إذا روسيا دعمت النظام سيكون بخير، وإلا، فإنه سيسقط. وأضاف: الولايات المتحدة تحتاج إلى روسيا في إيران التي تشكل أولوية. ثم إن سوريا هي المكان الوحيد في المنطقة حيث تتمتع روسيا بنفوذ كبير، وهناك أمر آخر مهم وهو أن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى الأسلحة الكيميائية السورية تقع في أيدي مجموعات إرهابية.

يبدو أنه ردا على المساعدة الروسية، سمح النظام السوري لشركة النفط الروسية العملاقة «غازبرون»، بأن تأخذ مكان شركة الطاقة الكرواتية، في حقول النفط والغاز في سوريا وهذه تقدر بمليارات الدولارات. وقال بعض العارفين، إن هذا هو الثمن الذي انتزعته روسيا من سوريا مقابل استمرار دعمها.

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين (سيصبح رئيسا الشهر المقبل) وخلال سؤال وجواب في مجلس الدوما في أوائل هذا الشهر قال: «إن لموسكو استثمارات كثيرة في الشرق الأوسط، ليس من أجل التضامن الآيديولوجي، إنما من أجل المال والمصالح».

وفي دردشة مع مسؤول عربي مخضرم حول سوريا، شدد على «حمص بوابة السنّة البرية إلى البحر، حيث هناك جبال العلويين». قال، لنتذكر ما حصل في البوسنة، ومجازر موستار وسربرينيتسا، حيث سقط عشرات الآلاف وانتهى الأمر، بتدخل الأطلسي، وبمجموعة دويلات. أشار إلى القاعدة الروسية وتعني منفذا مشتركا روسيا - إيرانيا على البحر المتوسط: «لا تنسَي المصلحة الروسية - الإيرانية بغاز ونفط لبنان وسوريا».

يعود إلى التركيز على حمص، إنها الطريق من الأرض العلوية إلى الهرمل والبقاع في لبنان: «لهذا يريد النظام السوري السيطرة عليها بدعم من الروس والفرس، ومن جهة أخرى فإن الإسرائيليين لم يتراجعوا بعد عن دعم نظام الأسد الذي حافظ على استقرار جبهتهم الشمالية منذ عام 1973. في الماضي، عندما كان النظامان يختلفان كانت ساحة المعركة لبنان».

من المؤكد أن هذا الدعم سيقوى الآن، خصوصا بعد الذي يجري في مصر والمجهول الذي تتجه نحوه العلاقات المصرية - الإسرائيلية، وما يجري في سيناء.

لكن هل الروس هم العائق الوحيد بالنسبة إلى سوريا أم أنهم تحولوا إلى شماعة يعلق عليها الآخرون عجزهم؟

في لقاء بين مسؤول خليجي كبير ومسؤول أميركي جرى النقاش حول «ماذا بعد» في سوريا، إذا ما فشلت خطة كوفي أنان «التي نعلم جميعا أنها لن تنجح»؟ في إيضاحاته كان المسؤول الأميركي صريحا جدا، إذ قال: «إن الإدارة ليست بصدد اتخاذ قرارات على المدى القريب تتعلق بالملاذ الآمن ناهيك بتطبيقه. صحيح أن واشنطن تدرك مزايا الملاذ، لكن العائق الكبير أمام تطبيق مثل هذه الخطة هو معرفتها، بأنه عكس الحال الذي انسحب على ليبيا، فليس هناك إجماع عربي (ممثلا بالجامعة العربية) حول الملاذ الآمن، وبالتالي فإن الولايات المتحدة إذا دعمت هذه الخطة، ستجد نفسها في النهاية تقوم بتنفيذها لوحدها». وأضاف «علاوة على ذلك أقدمت عدة حكومات عربية على تقديم تعهدات (شفهية) عديدة، بدعم المعارضة بالسلاح، والأموال وما إلى ذلك، لكنها في (التطبيق) لم تفعل شيئا يُذكر. وفي وقت كان هناك حديث عن (ملاذ آمن)، لم تتطوع أي دولة للقيام بدور تطبيق ذلك. يضاف إلى هذا كله، أن الدول العربية لا تدعم المقاطعة بشكل فعال، حيث من شأن ذلك أن يشل قطاع الأعمال السوري، فضلا عن النظام».

أبلغ المسؤول الأميركي نظيره الخليجي، بأن الأميركيين سمعوا كثيرا التحليلات القائلة، إنه بمجرد إقامة الملاذ الآمن، وتوجيه إنذار إلى الجيش السوري بأن لا يعتدي أو يخرق «حرمة» الملاذ الآمن «سيبدأ النزف في المؤسسة العسكرية السورية»، «نحن نحب أن نصدق أن هذا سيحدث (...) لكن من دون دعم عربي، وتعاون، ومشاركة على نطاق واسع، فمن المستبعد جدا تحقيق خيار الملاذ الآمن، ولا حتى في سياق استخدامه كوسيلة لإيصال المساعدات الإنسانية».

في رأي المسؤول الأميركي، تبقى روسيا عقبة أخرى في وجه المزيد من المشاركة. حاول المسؤولون الأميركيون إقناع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن التعاون الروسي في المسألة السورية سيحقق «الكسب» للطرفين: أميركا وروسيا، وستكون موسكو أكبر الرابحين لأن لديها النفوذ لإقناع الرئيس بشار الأسد ونظامه بالتنحي، وفي الوقت نفسه تساعد في تشكيل المستقبل السياسي لسوريا الجديدة، وبهذا تحافظ روسيا على مصالحها في سوريا ويتوسع إطار مصالحها في دول أخرى في المنطقة نتيجة «الحل الدبلوماسي الناجح».

لكن، وعلى ما يبدو، لا يزال الروس متضايقين مما جرى في ليبيا، أيضا، كما قال السياسي الأميركي: «بدل أن يستفيد الروس من أنهم دعموا قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، ويعيدوا إحياء العلاقات مع النظام الليبي الجديد، (كما هو)، فضلوا اتخاذ موقف سلبي قائلين إنهم تعرضوا للخيانة بسبب تغيير النظام في ليبيا. مرة أخرى، إنها سياسة قصيرة النظر».

يعتقد المسؤولون الأميركيون، أن جزءا من مشكلتهم مع روسيا، أن بوتين ليس محاورهم الأساسي، حيث إنه لن يكون في الكرملين كرئيس إلا الشهر المقبل: «وعندما يحدث هذا، قد تتوفر لنا فرصة جديدة، حيث سنناشد الـ(أنا) لديه، ليفعل ما هو ضروري».

في الوقت الحالي، قال المسؤول الأميركي، المقصود كما تبين في اجتماع باريس الأخير، هو أن نرى ما سيحدث مع مراقبي الأمم المتحدة وتطبيق خطة أنان، وتشديد العقوبات والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على النظام السوري ونرى ما إذا كانت كل هذه الأمور ستؤدي إلى وقف حقيقي لإطلاق النار والامتثال لكل شروط خطة أنان التي ستؤدي لاحقا إلى مفاوضات ما بين النظام والمعارضة.

هناك عامل حساس جدا، قد يجبر الإدارة الأميركية على مراجعة موقفها، هو الانتخابات الرئاسية المقبلة والحملة التي ستترتب على ذلك في هذا الصيف، حيث التوقعات بأن المرشح الديمقراطي ميت رومني، سيهاجم من دون شك، قيادة الرئيس باراك أوباما الضعيفة على صعيد السياسة الخارجية، كما أشار استطلاع أخير أجرته مؤسسة غالوب - ميريديان، حيث أعطى سوريا كمثال، إذ إن المتظاهرين السوريين ما زالوا يتعرضون للقتل.

قد لا تصغي الإدارة لتحليلات السياسيين الآن، لأنه على قائمة المخاوف الأمنية في واشنطن والعواصم الغربية مصير مخزون الحكومة السورية من الأسلحة الكيميائية. البنتاغون يقول إن المؤسسة العسكرية الأميركية لا تزال تشعر بالقلق حيال أكثر الأسلحة السورية فتكا «لكنها تعتبرها آمنة في الوقت الراهن». رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن دمبسي قال أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: «إننا نراقب عن كثب المنشقين عن الجيش السوري ونراقب تركيبة قيادة ذلك الجيش لنتأكد من أن الأسلحة الكيميائية لا تزال تحت سيطرة النظام».

وحسب تقرير للجيش الأميركي، فإنه قد يحتاج إلى 75 ألف جندي على الأرض لتأمين المنشآت الكيميائية السورية ومواقع إنتاجها المنتشرة في 50 موقعا. سوريا ليست عضوا في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووكالات استخبارات أجنبية أن برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية يعود إلى أوائل الثمانينات وهو واحد من الأكبر والأكثر تطورا في العالم.

مع استيلاء الجيش السوري على حمص، ضمن الغرب أن مصير برنامج الأسلحة الكيميائية يبدو آمنا وتحت سيطرة قوات النظام.

الحقائق على الأرض قد تتطور وتقلب الوضع رأسا على «عقب»: إما تسليح وتدريب وتمويل المعارضة، أو البدء في إعادة مد الجسور مع... بشار الأسد!

إذن، في كل الحالات نعرف أن الضحية هو الشعب السوري، لكن بالنسبة إلى بقية الأطراف: من يخدع من؟