.. وما زالت «القاعدة» نشطة

TT

تحول «الربيع العربي» إلى المهدي المنتظر والمسيح المخلص وأرض الأحلام لدى كثير من المتنسكين في مقام سيدي الربيع العربي.

كل ما كان يقال عن مشكلات قبل سقوط أنظمة تونس ومصر واليمن وليبيا، صار لدى من يعول على سحرية الحل الربيعي محض كذب من قبل إعلام تلك الأنظمة.

أذكر أنني كنت في نقاش مع مذيع عربي، يتغنى بسحرية الحل الربيعي في مصر، وأنه بمجرد سقوط أو خلع مبارك ستهل الأفراح والليالي الملاح، فقلت له بصرف النظر عن ترهل وفساد حكم مبارك، خصوصا في آخر خمس سنوات، لكن لا يعني هذا أن تشخيص المشكلات القائمة في الدولة والمجتمع المصري الذي كان يقدم أثناء حكم مبارك غير صحيح. مثلا مشكلة الانفجار السكاني هي مشكلة قبل رحيل مبارك وستظل مشكلة بعد رحيل مبارك، بل ربما تفاقمت بفعل الهزات التي يمر بها الوضع المصري، كذلك الأمر عن مشكلات الرغيف والبوتاجاز والأمن.. والتطرف الديني.

بمناسبة ذكر التطرف الديني هل تذكرون الكلام الذي قاله كثير من الكتاب والساسة العرب وغير العرب، عن أن الربيع العربي دليل على أكذوبة الفزاعة الأصولية بل وأن الربيع العربي مؤذن بنهاية عصر «القاعدة» وما شابهها، وأن الحكام العرب، كانوا يضخمون هذه المشكلة بغرض الابتزاز والبقاء؟

لا أعرف الآن كيف هو الجواب على انفجار «القاعدة» في اليمن، التي قامت بخطف دبلوماسي سعودي وتحاول الآن مقايضة الدولة السعودية به لتنفيذ بعض مطالبها. وقبل ذلك قامت «القاعدة» بعرض قوة صريح في محافظة أبين وقتلت الكثير من أفراد وضباط الأمن اليمني، وأعلنت قيام إمارة لها هناك.

وفي الصحراء الأفريقية الكبرى قامت بعروض قوة متعددة، بفعل الاختلال والضغط الذي أحدثه الربيع العربي تحديدا، وكذلك الأمر في اليمن.

الفكرة هنا أن الربط الميكانيكي بين أجندة التيارات الأصولية المسلحة والربيع العربي ربط لا معنى له.

ما شأن شبان ومنظري «القاعدة» بالربيع العربي؟

ولماذا سيكون الربيع العربي سببا في انحسار هذه الجماعات؟

لست أفهم هذا الربط المتعسف.

«القاعدة» وكل من يمثل فكرها وخيارها لديهم أهواء وأحلام أخرى لا علاقة لها بالحرية والديمقراطية، هي باختصار «ماشية» في برنامجها وطريقها، وستحاول تسخير كل المتغيرات الحاصلة لصالحها، وليس أفضل من أن تخف قبضة السلطة، أي سلطة.

هل معنى هذا الكلام أن بقاء تلك الأنظمة الزائلة كان مفيدا ونافعا بالمطلق؟

لا طبعا، ولكنه يعني أن مشكلة «القاعدة»، مثل مشكلات الفقر والبطالة وانفجار السكان، مشكلات قائمة بذاتها ولديها محركات بقاء خاصة بها، وحلها يأتي بمواجهة ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، والأهم نقدية مع العقل المسيطر علينا.

وهي مواجهة لم نقم بها حتى الآن، وليس خلع مبارك، أو هروب بن علي أو قتل القذافي أو إقصاء صالح، هي التي ستقضي بشكل «سببي» مباشر على هذه المشكلات.

كانت تلك التحليلات عن زوال «القاعدة» بفعل الربيع العربي مجرد تمنيات وأحلام دافئة فقط.

[email protected]