والدها كان كامو

TT

لاحظ ألبير كامو مرة أن جان بول سارتر يتودد إلى سيدة جميلة بالكثير من التوسل، فقال له: «ما بك؟ ألا تعرف حجمك بين الناس؟». فرد سارتر بأسى: «بشرفك، ألم تنتبه إلى وجهي؟». كانا أشهر مفكرين وكاتبين في فرنسا القرن الماضي على نقيضي الملامح: سارتر أقرب إلى الدمامة، وكامو على وسامة ظاهرة، يلقبه الناس «همفري بوغارت» ساحر هوليوود في الخمسينات وبطل الفيلم الكلاسيكي «كازابلانكا»، أو الدار البيضاء.

البعض أحب كامو كاتبا أيضا أكثر من سارتر. وأحبوه إنسانا. رفض الجزائريون اعتباره جزائريا، وتأخر الكثيرون من الفرنسيين في اعتباره فرنسيا. وظل بالنسبة إلى الجميع «متوسطيا» بدماء فرنسية. ناصر الثورة الجزائرية من موقع إنساني واعتراضا على السياسة الاستعمارية. لكن الثورة حاربته عندما قال إن العبودية لا تتجزأ.

كان والده جنديا بسيطا مات وهو في سنته الأولى. وعملت والدته شغالة تنظف المنازل. ولذلك قال «ما دامت أمي راكعة على ركبتيها تمسح البلاط، فهي ضحية الاستعمار مثل سواها». ليس جميع الفرنسيين طفوليين. أفادت فرنسا، لا الجزائر، من ألق كامو الأدبي، مع أن أعماله الأولى تدور في الجزائر، حيث ولد ونشأ. وكذلك روايته «الطاعون» التي حملت إليه «نوبل» الآداب. لكنه لم يهنأ بالجائزة طويلا، فما لبث أن قتل في حادث سيارة يقودها ناشره. لطالما كتب عن العبث فإذا العبث يأتيه وهو في عز مجده الأدبي.

في المكتبات الآن مؤلف آخر عن كامو، هذه المرة من وضع ابنته كاثرين. تفاخر الابنة بوسامة الأب وتملأ الكتاب بالصور شهادة على الحنين إلى الرجل الذي اشتهرت به الأماكن التي تردد عليها والصحف التي كتب افتتاحياتها من دون توقيع.

كان كامو سلسا وبسيطا بعكس سارتر. وكان أكثر صدقا، بينما كان سارتر «أكثر واقعية». وربما لعبت ظروف النشأة دورا أساسيا كما تفعل في حياة جميع الناس. فقد كان سارتر، كما يروي في «الكلمات»، من إحدى العائلات البورجوازية.

اقترب كامو من الشيوعيين بادئ الأمر، لكنه ابتعد سريعا، بعكس سارتر. والتزم المثل والقيم الجماعية البسيطة، كالحرية والمساواة، لكنه أعطاها بعدا إنسانيا ذا شجى وأثر. ويقول الناقد آدم كوبنك «إنه لم يكن جديا، بل حزينا». عام 1951 بدأ كامو في الابتعاد عن سارتر بسبب التصاق الأخير بالحزب الشيوعي، بينما بشر سارتر بالعنف قال كامو: «لا ضحايا ولا جلادون».

لا لجميع «اليائيات» قال كامو: «لا للنازية وللشيوعية وللفاشية وللستالينية. ولد الإنسان حرا ليس من أجل أن يصبح عبدا لطاغية - أو مجموعة طغاة - آيديولوجيين. ولعل روايته «أسطورة سيزيف» تلخص فلسفته البسيطة في الحياة: الإنسان مخلوق مكافح. يولد وتكون الصخرة قد ولدت قبله. وعليه أن يمضي العمر محاولا رفعها إلى رأس الجبل. كلما أخفق عليه أن يحاول من جديد. وإلا هوت وطحنته.