مصر تحاكم نفسها!

TT

أن يُحاكم الفنان المصري التنويري الكبير عادل إمام بتهمة الإساءة للأديان، ويُحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، فلهذا معنى واحد لا غير، هو أن مصر قررت أن تحاكم نفسها! فاستهداف عادل إمام بهذا الشكل الانتقامي، يعني أنه آن الأوان لنتشاءم من مستقبل مصر؛ السياسي، والاقتصادي، والفني، والثقافي بالطبع.

فطوال الأشهر الماضية، تجنبت الخوض في الحديث عن الشأن المصري؛ سواء كان المجلس العسكري، أو «الإخوان»، أو السلفيين، أو القوى السياسية المختلفة، ليس لعدم الاكتراث بمصر، أو أهميتها عربيا، أو حتى وجدانيا، ولكن لأن مصر كانت، وما زالت، تقتات من طبخ يومها، وليس من خلال خطط ورؤى، سواء ممن له الباع الطويل في صنع القرار هناك، أو من خلال الثوار، فمصر لا تنام على رؤية وإنما على تخبط ورغبة في الانتقام من كل شيء، وها هي اليوم مصر كلها، وبتاريخها الكبير، تنتقم من فنان عظيم قال في مسرحية «الزعيم» ما لم يقله الإخوان المسلمون في مبارك يوم كان في سدة الحكم!

فمن يحاكم عادل إمام اليوم بتهمة ازدراء الأديان يستحق أن يُحاكم هو بتهمة الانتقاص من مصر، وثقافتها، وتنوعها، وبتهمة دعم الإرهاب الذي حاربه عادل إمام في أفلامه يوم لم يتجرأ الإخوان المسلمون، أو السلفيون، على قول قولة حق ضد الإرهاب الذي ضرب مصر في التسعينات، أو الإرهاب الذي أراد استهداف وحدة مصر يوم استهداف أقباطها، بينما كان عادل إمام أكثر شجاعة من الجميع حين تحدى الإرهاب، وحاربه، وقدم صورة زاهية لمصر، ليس أمام العالم، أو العرب، بل وأمام المصريين أنفسهم. فعادل إمام كان أجرأ من «الإخوان»، والسلفيين، وأجرأ من أهم من يعتبرون أنفسهم رموز الثورة المصرية اليوم، سواء كانوا ساسة، أو رجال دين، أو اقتصاديين، أو حتى أدباء، فالفنان المصري الرائع عادل إمام تجرأ على انتقاد السلطة، والفساد، وتزوير الانتخابات، وأشياء كثيرة، يوم كان مبارك رئيسا في السلطة، وليس يوم نزل المصريون ضده بالشارع! فعادل إمام كان في ميدان التحرير قبل «الإخوان»، والسلفيين، والمثقفين المصريين بكثير!

وعليه، فإذا تم سجن عادل إمام فعلا، وهذه فضيحة كبرى، فإن ذلك يعني أن مصر قد قررت محاكمة نفسها أمام العالم، والعرب، وهي بلا شك أسوأ محاكمة، فذلك يعني أن الأمل بات مفقودا بمستقبل مصر الثقافي، والفني، وبالطبع السياسي، فسجن عادل إمام لا يعني إقصاء «قوى» سياسية، أو كسرها، بل إن سجن عادل إمام يعني أن هناك رؤية فنية وثقافية يراد إقصاؤها! وإذا كان «الإخوان» تحديدا، أو كل معارضي مبارك الآخرين، يشتكون من الإقصاء في عهد مبارك، فإنهم مثله اليوم، أو أسوأ، وهم يستهدفون عادل إمام، فسجن هذا الفنان الرائع يشبه كثيرا سجن أيمن نور، أو الدكتور سعد الدين إبراهيم، بعهد مبارك!

ملخص القول: إنه آن الأوان للقول إن مستقبل مصر لا يبشر بخير، وإن ثورة تتتبع فنانا مثل عادل إمام ليست بثورة، بل إنها محاكمة علنية لمصر كلها للأسف!

* يتوقف مقال الكاتب لمدة أسبوعين للتمتع بالإجازة

[email protected]