لا تلعب بذيلك أو بذيل غيرك

TT

انتشرت في بلادنا العربية أسوأ وأرزل وأحط القضايا، وأعني بها القضايا (الكيديّة)، التي شغلت ما لا يقل عن (30 في المائة) من جهود وأوقات المحاكم والقضاة، والذي يلجأ لمثل ذلك هم ضعاف النفوس الذين يحبكون المكائد ظلما وبهتانا، إما بسبب حقد ضد قريب أو شريك، أو الطعن في شرف زوجة مطلقة لمجرد أنها تريد حضانة أطفالها، أو لمجرد (ابتزاز) لرجل أعمال ناجح لا وقت لديه لمرمطة المحاكم.

المأساة أن هذه الشكاوى الكيدية (مجانية)، وليس هناك رادع لها (ومن أمن العقوبة أساء الأدب)، ولا أدري لماذا لا يُجبَر كل من يتقدم بشكوى مثل هذه أن يدفع (مبلغا)، فإذا ربح قضيته بحق رُد إليه ما دفعه، وإن ظهر أنه مدلس وكذاب صودر المبلغ، ويكون لخصمه الحق في رفع دعوى أخرى مضادة عليه، وهذا هو ما يعمل به في البلاد الأجنبية، لهذا فالويل كل الويل هناك لمن يحاول أن يلف ويدور، أو (يلعب بذيله أو ذيل غيره).

(ويزيد الطين بلة)، البطء الممل الذي قد يصل أحيانا إلى درجة البرود، بل وحتى التجمد، لدى بعض القضاة في حسم الأمور التي لا تحتمل التأخير وكأنهم بذلك يطبقون المثل القائل: (جرح في رأس غيري مثل شطب بجدار)، فمهنة القضاء مهنة خطيرة، وقد قيل قديما: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين.

وفي كلام للشيخ (محمد الجذلاني) - القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حاليا - يقول: «ما رأيته من تساهل بعض القضاة في إعمال القواعد الشرعية للإثبات والحكم على المتهم لأدنى شبهة، لا لقناعتهم بأنه فعل ما اتهم به، بل لأمور أخرى لا علاقة لها بالدعوى، كأن يكون المتهم من طائفة يعتقد القاضي أنها ضالة، أو أن يكون القاضي ينظر لهذا المتهم بأنه فاسق أو عاص في أمور أخرى.

ومن ذلك أنه مرّ بي قضية اتهم فيها رجل بالتزوير، بينما ما فعله لا يصدق عليه الوصف النظامي للتزوير، وكان حكم البراءة في غاية الوضوح، إلا أن القاضي حكم بإدانته لأنه قُبض عليه ومعه مسكرات، وكان متجها لإحياء حفلة محرمة!! وكان القاضي يظن بذلك أنه مأجور ومحتسب!!» - انتهى

وبالصدفة، قرأت قبل أيام في إحدى الصحف أن مواطنا اسمه (....) تجاوز بسيارته سيارة القاضي (....) في أحد الشوارع، وعند توقفهما عند إشارة المرور الحمراء، فتح القاضي النافذة يسأله عن سبب تجاوزه له، ثم أخذ يوبخه.

ويقول المواطن: بعد ثلاثة أيام وإذا بشركة السيارات تتصل بي وتطلب مني ضرورة مراجعة أحد القضاة في المحكمة الجزائية، وعندما ذهبت فوجئت بنفس القاضي الذي تجاوزته، وإذا به يذكّرني بالحادث وهو يبتسم ابتسامة صفراء، وما كان منه إلا أن أمر رجل الأمن بأن يضع الأغلال بيدي دون سند قانوني، وهذا ما حصل لعدة ساعات، لولا أن علم رئيس المحكمة (إبراهيم السلامة) فأخلى سبيلي مع الكثير من الاعتذارات، وجزاه الله خيرا.

لا أدري، هل ذلك القاضي كان يظن نفسه (صدام حسين، أو معمر القذافي، أو بشار الأسد)، حينما كانوا في عزهم، حيث لا يجرؤ أحد أن يفكر مجرد تفكير على تجاوزهم؟!

يمكن (!!).

[email protected]