الأحزاب الشيوعية تغير قميصها

TT

للأحزاب ألوان كما للحسان ألوان. النازيون عرفوا بالقميص الأسمر (الجوزي) والمحافظون عرفوا باللون الأزرق والشيوعيون عرفوا باللون الأحمر، لون الدم والنار. ولكنهم بعد الفشل الذريع والمخزي للشيوعية في أوروبا الشرقية، وخمود الثورة الحمراء، غيروا لونهم إلى الأخضر. الكثير منهم أخذوا ينعتون أنفسهم بالخضر.

انطوى لون قميصهم الجديد الأخضر على مدلولاته السياسية والاقتصادية والآيديولوجية. يقولون إن فشل التجربة الشيوعية لم يقض على فكر كارل ماركس بل أعاد الحياة إليه، هكذا سمعت من عبد الرزاق صافي. تذكروا أنه ذكر بأن طريق الشيوعية يمر بمراحل طويلة. ينبغي أولا الوصول إلى الاشتراكية. وللوصول للاشتراكية ينبغي المرور بالرأسمالية، والوصول للرأسمالية يتطلب المرور بالليبرالية والديمقراطية. وهذا يعني أن على الشيوعيين العرب أن يسعوا الآن لتحقيق الديمقراطية الليبرالية في إطار الأنظمة القائمة. إذا كانوا بالأمس يرفعون المظلات في بغداد كلما أمطرت السماء في موسكو أصبحوا الآن يرفعونها كلما أمطرت في واشنطن. أتذكر أنني قلت للسفير الأميركي همبري عليكم بالشيوعيين فهم الآن أحسن نصير لكم في المنطقة.

لماذا اختاروا القميص الأخضر؟ لأن البيئة والخضرة أصبحت من شعاراتهم السياسية الرئيسية. سمعت عن بعض نسائهم الرفيقات يكرسن وقتهن في العراق لعملية التشجير، زرع الأشجار والنخيل التي دمرها صدام حسين وحروبه.

اقتضى هذا التحول تحولات في تفكيرهم. من ذلك موقفهم من الدين. الماركسية ترفض الإيمان وتقول الدين أفيون الشعوب. ولكن تجربة الحزب البلشفي في روسيا أظهرت لهم وأثبتت أن الإيمان بالله أقوى بكثير وأرسخ في القلوب من الإيمان بماركس، وأن البروليتاريا تفضل وتستمتع وتفهم الإنجيل والقرآن الكريم أكثر من كتاب رأس المال أو المانفستو. والآن رفعوا أيديهم واستسلموا للدين دون قيد أو شرط. سمعت مؤخرا أن عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي العتيد ذهب للحج إلى بيت الله الحرام. وأعطته المملكة العربية السعودية تأشيرة دخول. لا أدري إن كانوا قد فرشوا له أيضا سجادة حمراء، عفوا قل الآن خضراء.

بيد أن موقفهم من الأحزاب الإسلاموية ظل متشددا وهذا يعود لتناقض هذه الأحزاب والمنظمات الإسلامجية مع الديمقراطية والفكر الليبرالي وما يرتبط بذلك من مبادئ كحقوق المرأة وتحررها وحقوق الإنسان عموما بما فيها حرية العبادة والفكر والنشر والمساواة بين الطوائف.

ما الذي بقي من مخلفات القميص الأحمر؟ بقي الاعتراض المستحكم في الفكر الماركسي ضد الإرهاب والاغتيالات والمنظمات الإرهابية. الوصول للحكم يجب أن يتم في إطار الديمقراطية لا بفوهة البندقية. والإصلاحات يجب أن تتم بصورة تدريجية وبالإقناع والاقتناع.

بقي أيضا التنظيم المحكم للحزب وروح النشاط والتفاني في العمل والقدرة على التغلغل بين الجماهير، بسطائهم ومثقفيهم على السواء. وهذا ما يؤهلهم لمقارعة التنظيمات الإخوانية والسلفية ودحرها، ولا سيما في اعتمادهم على سلاح العلم والعقلانية وروح العصر الذي تفتقده المنظمات الإسلاموية.