سلاح الطائفية في العراق

TT

أردت تناول مسألة سلاح الطائفية في العراق، في مقاربة حول هذه القضية التي شغلت العراقيين خلال السنوات الماضية، وما زالت تستحوذ على مساحة ليست بالقليلة من انشغالات العراقيين، لكن قبل ذلك أود التذكير بعبارة مهمة للزعيم الهندي المهاتما غاندي، التي قال فيها: «كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن»، مما أجده مدخلا مناسبا لهذه المقاربة.

لم يكن يعرف المفكر العراقي الكبير الدكتور علي الوردي، أن الولايات المتحدة ستغزو العراق وتفتح أبوابه ونوافذه ومنافذه على مصاريعها أمام جهات أطراف داخلية وخارجية، ليتصدر الحديث عن الطائفية الواجهة في هذا البلد، ولتصبح مخاوف العراقيين من مرض الطائفية، من أكبر المخاوف التي تلازمهم في صحوهم ونومهم، إلا أن الوردي قال كلمة بليغة في هذا الصدد قبل عقود من الآن، وهو القائل: «الطائفيون بلا دين»، وفي دراساته السوسيولوجية لطبيعة المجتمع العراقي، أورد الكثير من الوقائع والشواهد التأريخية، التي تثبت أن المجتمع العراقي بعيد عن النزعات الطائفية المتعصبة، وإذا كان المحور الطائفي في العراق قد تنامى بصور وأشكال متعددة من خلال الصراع الفارسي - العثماني، واستخدام الأراضي العراقية حلبة لهذا الصراع، فإن تأريخ العراق يزخر بكثير من الأحداث التي تؤكد أن غالبية زعامات الطائفتين في العراق، قد تصرفت بطريقة عراقية لا علاقة لها بالنزعات الطائفية خلال القرون الماضية وخلال ثورة العشرين في القرن الماضي، وطالما يتناقل العراقيون قصصا، عن توفير الزعامات الدينية والعشائرية لبعضها البعض الأماكن الآمنة بعيدا عن الأتراك والفرس، فعندما يغزو الفرس العراق ويطردون العثمانيين، يسارع سدنة كربلاء والنجف إلى توفير الحماية لرجال الدين والوجهاء الآخرين، ويذكر التاريخ وقائع كثيرة تتحدث عن حصول ذات الأمر عندما يسيطر العثمانيون على العراق، وحصل ذات الأمر خلال ثورة العشرين في إخفاء الثوار من رجال الدين وشيوخ العشائر بعيدا عن البريطانيين، دون النظر إلى طائفة هذا الثائر أو ذاك.

وقد يتفاجأ الكثيرون عندما يعلمون أن آلاف العوائل العراقية في الأحياء، التي شهدت توترات على خلفية تفجير مرقد الإمامين في سامراء (22 فبراير/ شباط 2006)، قد تبادلت المنازل داخل العاصمة بغداد وخارجها، تحاشيا لتعرض أفراد هذه العوائل للأذى والعنف، الذي استشرى في البلاد بطريقة غير مسبوقة، عندما حاولت أطراف تلهث خلف الحكم العبث بالمجتمع العراقي وإثارة الفتنة، باعتبارها السلاح الوحيد لتحقيق مأرب هؤلاء ليكونوا حول السلطة وليس حول الوطن، وبلا شك فإن وصف الدكتور الوردي، ينطبق على كل مَن عمل على إشعال أو إثارة الفتنة الطائفية في العراق أو سيحاول مستقبلا، بوصفهم أنهم بلا (دين).

يمكن القول إن العراقيين قد تجاوزوا المحنة والفتنة، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة، ولن يكف العابثون والطامعون عن المحاولة ثانية وثالثة، لأنهم يدركون أن لا مأوى لهم ولا غطاء دون الاصطفاف الطائفي، وأن أي انتقالة عراقية بعيدا عن هيمنة الطائفيين من جميع الأطراف، ستتكفل بالنأي بهم بعيدا، وعدم السماح لكل من يستخدم (سلاح الطائفية) لتهديم البنية المجتمعية في العراق وتخريب تماسكه ووحدته بالسير في مشروعه.

ومن الحقائق التي يجب توثيقها، عند الحديث عن أكبر وأخطر هجمة تعرض لها العراقيون عبر التاريخ، لإثارة الفتنة الطائفية بعد الغزو الأميركي عام 2003، وقد اشتد أوارها بعد تفجيرات سامراء في فبراير (شباط) عام 2006 - أنه لم يحصل أن هاجمت منطقة من الطائفة الفلانية منطقة أخرى من طائفة ثانية على الإطلاق، لا في العاصمة العراقية بغداد التي يتداخل فيها السكن من جميع الطوائف ولا في مدن العراق الأخرى، ولم يحصل مثل ذلك بين عشيرة وأخرى أيضا، وأن الهجمات التي حصلت بالهاونات والصواريخ بين بعض مناطق بغداد عامي 2006 و2007 تحديدا، قد نفذتها الأدوات التي أوكلت إليها مهمة استخدام سلاح الطائفية في إثارة الفتنة، وعدم حصول مثل تلك الهجمات في أكثر الظروف ضبابية وفوضى وارتباكا، يؤكد أن سلاح الطائفية قد استخدمته أطراف وجهات لتحقيق أهداف خاصة بها ولحساب جهات خارجية، وهذا التوصيف لا يستثني جهة أو طرفا شارك في الفتنة الطائفية مهما كان لباسه وعنوانه.

أما السلاح الأهم، فهو رفض عموم العراقيين الانجرار وراء مثيري الفتنة، رغم استخدامهم لوسائل الإعلام والمال الكثير وبعض الأصوات المريضة، التي حرضت على الفتنة.