قناة خليجية ناطقة بالفارسية للوصول إلى الرأي العام الإيراني

TT

سلط النزاع الذي تجدد مؤخرا على جزيرة أبو موسى، وهي الجزيرة الأكبر مساحة بين الجزر الثلاث التي تقع في مضيق هرمز، بين إيران والإمارات العربية المتحدة، الضوء مرة أخرى على ضرورة وجود قناة أخبار ناطقة باللغة الفارسية فعالة تدار بمهنية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام دول مجلس التعاون الخليجي للتواصل مع الشعب الإيراني.

قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة مفاجئة إلى جزيرة أبو موسى يوم 11 أبريل (نيسان)، حيث أعلن عن بعض الخطط الإيرانية لتحويل تلك الجزيرة والجزيرتين الأخريين المجاورتين - طنب الكبرى وطنب الصغرى - إلى منطقة جذب سياحي.

وصفت دولة الإمارات العربية المتحدة تلك الزيارة بـ«الاستفزازية»، بينما قام مجلس التعاون الخليجي بشجب الزيارة. وفي ردها على تلك التصريحات، أكدت الحكومة الإيرانية أن إيران تمتلك السيادة على تلك الجزر منذ «عهد بعيد» وأن الجمهورية الإسلامية سوف تدافع عن حقوقها بكل قوة.

ووصف وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي تلك الزيارة بأنها «شأن داخلي» محض. وحذر دول الخليج من أن الأمور ربما تصبح «شديدة التعقيد» إذا لم تتصرف تلك البلدان بحذر تجاه الجزر المتنازع عليها.

وعلى الرغم من ميول أحمدي نجاد لإثارة الجدل وأن دوافعه من وراء تلك الزيارة لا تزال محل شك، فقد قامت أبوظبي باستدعاء سفيرها في طهران وتقدمت باحتجاج إلى الأمم المتحدة. وتم إلغاء مباراة لكرة القدم بين الدولتين على خلفية تلك التوترات، بينما تصر أبوظبي على ضرورة حل هذا النزاع الحدودي الذي استمر لعقود طويلة من خلال المفاوضات أو محكمة العدل الدولية.

وكما هو متوقع، أكد المسؤولون الإيرانيون، بما فيهم وزير الخارجية علي أكبر صالحي، على أن حكم إيران لهذه الجزر «غير قابل للتفاوض وأن السيادة الإيرانية مؤكدة وموثقة»، بينما لعبت وسائل الإعلام المحلية الإيرانية، كما هو متوقع أيضا، دور المنصة لنشر الموقف الرسمي للمسؤولين الإيرانيين. وحتى وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية والتي تتخذ من بلدان أجنبية مقرا لها لم تعترض على فكرة ما إذا كانت تلك الجزر الثلاث دائما للسيادة الإيرانية أم لا.

ولم تتحدث وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية ببساطة عن وجهة النظر المعارضة والتي تقول، طبقا للإمارات العربية المتحدة، إن إيران قامت باحتلال تلك الجزر بالقوة عقب سحب بريطانيا لقواتها من الجزر الواقعة تحت وصايتها في الخليج عام 1971، ولم تشر أيضا إلى حقيقة أنه قد تم وضع جزيرة أبو موسى، الجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان في الجزر الثلاث، تحت الإدارة المشتركة في اتفاق مع إمارة الشارقة، وهي إحدى الإمارات المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة الآن، في ذلك الوقت.

وهناك نقطة دقيقة غابت في خضم هذا النزاع الدبلوماسي، ألا وهي قدرة القادة الإيرانيين، سواء كانوا إسلاميين أم لا، على الوصول إلى قلوب وعقول مواطنيهم عن طريق إثارة المشاعر الوطنية، ولا سيما من خلال الإشارة إلى الأمجاد الفارسية القديمة. ولسوء الحظ، فإن هذا الأسلوب لديه القدرة على إثارة الغضب على نحو فعال ثم بعد ذلك توحيد الناس، ليس فقط السكان المحليون ولكن أيضا الجاليات الإيرانية الموجودة في الخارج، حتى أولئك المعارضون للحكومة في إيران، في قضية لن تحقق أية مكاسب ملموسة أو مرغوبا فيها للشعب الإيراني ككل.

إن استغلال القضايا القومية في ساحة المنازعات الدولية لتفادي أوجه القصور الداخلية ليس جديدا بالطبع. وهناك نزاع على اسم الخليج الذي يفصل إيران عن شبه الجزيرة العربية، وهو ما جعل وسائل الإعلام الفارسية تشير إلى مجلس التعاون الخليجي باسم «مجلس تعاون دول الخليج الفارسي». وبغض النظر عن اسم الخليج (سواء الخليج العربي أو الخليج الفارسي)، فقد بدأ مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 كمنظمة سياسية واقتصادية للدول العربية. وحتى مجلس التعاون الخليجي يشير إلى نفسه رسميا باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وفي حين لا تملك الدول العربية في منطقة الخليج، بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، قناة مؤثرة للتواصل مع الشعب الإيراني، فإن الحكومة الإيرانية تملك العديد من وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، لكي تبث وجهة نظرها إلى الدول العربية.

وخلال الأسبوع الماضي، قامت إيران، التي لا تزال تبحث عن جمهور جديد في العالم العربي في المناطق التي منعت من الوصول إليها في الماضي - مثل شمال أفريقيا على سبيل المثال - بدعوة مجموعة من الصحافيين المصريين لزيارة طهران، على الرغم من عدم عودة العلاقات بين الجانبين بصفة رسمية حتى الآن.

وقد أدركت الحكومة الإيرانية - وأنفقت أموالا باهظة - ضرورة وأهمية الوصول إلى الجمهور العربي، فبالإضافة إلى القناتين الإيرانيتين الرسميتين الناطقتين باللغة العربية، وهما قناة «العالم» و«برس تي في»، قامت إيران في عام 2011 بإطلاق أول قناة إيرانية ناطقة باللغة الإسبانية بهدف الوصول إلى أميركا اللاتينية. وعلى العكس من ذلك، لم تسع الدول العربية، ولا سيما في منطقة الخليج، إلى الوصول إلى الجمهور الفارسي.

ووفقا لتقرير صادر في الآونة الأخيرة من قبل صندوق النقد الدولي، شهد الاقتصاد السعودي، بصفة المملكة العربية السعودية أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي، نموا بنسبة 6.8 في المائة خلال العام الماضي، مقابل 4.9 في المائة للإمارات التي تعد ثاني أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي، و8.2 في المائة للكويت، و18.8 في المائة لقطر الغنية بالغاز الطبيعي.

هذه الدول العربية التي تمتلك اقتصادات ناشئة وضخمة لم تملك بعد وسيلة للتواصل مع الإيرانيين، في الوقت الذي تمكنت فيه إيران، باقتصاد نما بنسبة اثنين في المائة العام الماضي - بحسب صندوق النقد الدولي - من الوصول بفاعلية إلى الجمهور المتحدث باللغة العربية.

ومنذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في 2009، فر مئات الصحافيين من إيران وتوزعوا في أنحاء العالم. وعادة ما يطلب منهم العمل بلغات لا يتمكنون معها من الأداء بحرفية مهنية. هؤلاء الصحافيون يمكن أن يشكلوا عونا لمجلس التعاون الخليجي في خطة لملء الفجوة الثقافية بين دول المنطقة.

لقد آن الأوان لأن يستخدم مجلس التعاون الخليجي هؤلاء الصحافيين والصحافيين الآخرين المتحدثين باللغة الفارسية لإنشاء قناة إخبارية تلفزيونية تمول وتدار مهنيا بشكل جيد وتلتزم بالمعايير الدولية للصحافة كي تخاطب وتتصل بالناطقين باللغة الفارسية داخل وخارج إيران.

فقناة «الجزيرة» على سبيل المثال، حتى على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليها في الفترة الأخيرة بشأن تغطياتها للثورة السورية والمظاهرات في البحرين، مثال بارز على المؤسسات الإخبارية التي تمول بشكل جيد وتدار بمهنية يمكن تحقيقها. الأكثر من ذلك أن هذا المشروع يمكن أن يشكل قاعدة للممارسة المهنية والصحافة الجادة وجسرا للتواصل بين الإيرانيين والعرب للعمل معا من خلال إيجاد أرضية مشتركة في النهوض بالمنطقة.

* صحافيان مقيمان في أميركا مهتمان بالعلاقات العربية الإيرانية