لماذا لم يقل إيلي ويزل شيئا عن الفلسطينيين؟

TT

ما من شك في أن إيلي ويزل واحد من أهم اليهود في العالم، فهو يحاول أن يكون صوت الضمير الإنساني، وصوت المقهورين. فقد وقف في وجه انتهاكات حقوق الإنسان العنيفة، وناضل ضد سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والحرب القذرة في الأرجنتين واختفاء المعتقلين في السبعينات والثمانينات، والتطهير العرقي في البوسنة في أوائل التسعينات، والإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، والإبادة الجماعية الحالية في دارفور السودانية. وهذا يشير إلى أنه يذكر كل الكوارث في الأصقاع المختلفة من العالم.

ويصر ويزل من دون كلل على الحقوق اليهودية. وبحسب المصطلح الذي صاغه كارل بوبر، منطق الموقف، والذي يعني أن توجه كل شخص يصاغ بناء على موقفه، فإن منطق موقف بوبر نموذج للتفسير الثقافي والتاريخي. ويمكننا فهم رغبة ويزل القائمة على أساس منطق الموقف.

أعتقد أن ويزل يدرك تماما دور الذاكرة في الثقافة والسياسة، فهو من الناحية النظرية يتحدث عن الذاكرة ويعلي من مكانة اليهود. فاليهود بحسب الذاكرة قاموا بحماية اللغة - العبرية - وذكريات الأرض المقدسة. وبعبارة أخرى، تعتبر الذاكرة أهم من التاريخ، وأعني الذاكرة الثقافية.

ومصطلح الذاكرة الثقافية كان أول من قدمه عالم المصريات الألماني جان آسمان في كتابه «الذاكرة الحضارية»، الذي فرق فيه بين التاريخ كجسد والذاكرة الثقافية كروح وجوهر للتاريخ. وعندما نقرأ كتبا ونتعلم مفاهيم يمكننا في النهاية تذكر بعض المعلومات. هذه المعلومات لا تزال في ذاكرتنا مثل حجر براق في قاع نهر. تخيل عقلنا مثل مجرى نهر، كما يقال.. تيار الوعي، لكن هذه الأحجار تظل هي الذاكرة الثقافية.

وكما نعلم، فإن قرآننا الكريم هو كتاب الذاكرة، فالقرآن يصف نفسه بالتذكرة والذكر، كما أن إحدى شمائل نبينا صلى الله عليه وسلم أنه «مُذكِّر». والوظيفة الأساسية للنبي ومسؤوليته تذكير الناس. فالتوراة خاصة العهد القديم كتاب ذاكرة وتذكير.

إنها ذكرى سمحت لليهود بالاستمرار عبر آلاف السنوات في التاريخ، فاليهودية واليهود كأفراد قاموا على الذاكرة الجمعية من الوحي في سيناء. فجاء في الكتاب المقدس: «اذكر يوم السبت» (سفر الخروج 20:8)، «تذكر يوم السبت كتذكير بيوم الخلق والخروج» (سفر الخروج 20:11)، «تذكر على الدوام الخروج وتذكر ما فعله العماليق الأشرار» (التثنية 5:15).

كل هذه الذكريات تحدد لنا وتساعدنا في التركيز على هدفنا الوطني. وكما قال «بعال شيم توف (مؤسس اليهودية): «النسيان يؤدي إلى الغربة في الوقت الذي تمثل فيه التذكرة سر الخلاص». الكلمات التي كتبت بشكل ملائم من متحف التاريخ في ياد فاشيم بالقدس.

الحائط الذي يعلو الشعلة الأبدية في صالة الذكرى في المتحف التذكاري للهولوكوست في واشنطن بالولايات المتحدة، يثير الذكريات. «إنما احترز واحفظ نفسك جدا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك وعلمها أولادك وأولاد أولادك» (سفر التثنية 4:9).

هناك آية غريبة في الإصحاح الثامن عشر من سفر صموئيل الآيات من 17 - 19: «وأخذوا أبشالوم وطرحوه في الوعر في الجب العظيم، وأقاموا عليه رجمة عظيمة جدا من الحجارة. وهرب كل إسرائيل، كل واحد إلى خيمته، وكان أبشالوم قد أخذ وأقام لنفسه وهو حي النصب الذي في وادي الملك، لأنه قال: ليس لي ابن لأجل تذكير اسمي. ودعا النصب باسمه، وهو يدعى يد أبشالوم إلى هذا اليوم».

وقال ويزل: «أنا معجب بمرونة الشعب اليهودي، فأهم سماتهم هي الرغبة في التذكر. وما من أحد آخر يملك هذا الهوس بالذكرى». وأضاف: «لقد أقسمت ألا أصمت أبدا أينما وحيث عانى البشر من الذل والامتهان. يجب علينا دائما أن نميل إلى جانبهم. فالحيادية تساعد الظالم لا الضحية. والصمت يشجع الجلاد لا الضحية».

وفي عام 2007 رفض ويزل عرضا من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لتولي رئاسة إسرائيل. وقال معلقا على ذلك: «رفضت ذلك لأنني لست إسرائيليا ولا أعيش في إسرائيل، وسوف أجعلك إسرائيليا في خمس دقائق. لم تمارس علي ضغوط لقبول المنصب. ففي إسرائيل عندما ترفض تتزايد عليك الضغوط. لكني قلت إن ذلك لن يحدث لأنني غير مناسب لهذا العمل وزوجتي سوف تطلب الطلاق».

هناك إحساس واضح بالدعابة في رده. ومؤخرا أجرى إيلي ويزل والرئيس أوباما حديثا حول متحف الهولوكوست الأميركي يوم الاثنين 24 أبريل (نيسان)، وقال الرئيس أوباما إن «رابطة الدفاع اليهودية» تتحدى المجتمعات والدول، إنها حقيقة مرة «ففي كثير من المرات فشل العالم في منع قتل الأبرياء على نطاق واسع. نحن تلاحقنا الفظائع التي لم نتمكن من وقفها، الأرواح التي زهقت ولم نتمكن من إنقاذها».

وقال إيلي ويزل في كلمته: «المأساة الأكبر في التاريخ كان من الممكن الحيلولة دون وقوعها لو تصارح العالم المتحضر»، مشيرا إلى الهولوكوست وكيف أن مرتكبيها كانوا دائما ما يريدون رؤية كيف سيكون رد الفعل في واشنطن ولندن وروما، وعندما لم يتلقوا أي رد فعل شعروا بأن بإمكانهم المتابعة.

لذا سأل الجمهور في حفل يوم الاثنين: «هل تعلمتم أي شيء من هذا؟ إذا كنتم قد تعلمتم حقا، فكيف لا يزال الأسد في السلطة؟». وأثار سؤالا مشابها بشأن محمود أحمدي نجاد: «كيف يظل منكر الهولوكوست الأول في العالم رئيسا؟». وكرر القول: «ألم نتعلم؟».

أنا أتفق مع إيلي ويزل في ما ذهب إليه، لكني أتساءل: وماذا بشأن الفلسطينيين؟ تعرض نتنياهو لانتقادات من شيمعون بيريس وإيلي ويزل على كلمته، لأنه قارن الهولوكوست بالتهديد الذي تمثله إيران. ولم يفهم نتنياهو الأهمية الفريدة للذاكرة الثقافية. وهنا أود أن أقول: هل للفلسطينيين حق في أن تكون لهم ذاكرتهم الثقافية؟

أنا أذكر فقرة رائعة في ثلاثية إيلي ويزل، قال فيها: «لقد انتهى وقت الشكوك والتساؤلات وعدم اليقين، لقد كنت في السابق أمسك بمسدسي، الآن مسدسي هو الذي يمسك بي» (ثلاثية الليل: إيلي ويزل صفحة 218).

أريد أن أقول إن إسرائيل دمرت الذاكرة الثقافية بقتل الفلسطينيين، ودمرت منازلهم وبنت مستوطنات جديدة على أراضيهم، والأهم من ذلك أن إسرائيل تحاول استئصال الذاكرة الثقافية الفلسطينية.

نتيجة لذلك لم يكن يرغب إيلي ويزل في الحديث عن الفلسطينيين.. وباختصار لأن بشار الأسد وأحمدي نجاد سيزولان، لكن الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين سيستمرون، وستظل ذاكرة الفلسطينيين حية.