صوت العقل بين السعودية ومصر

TT

لو سُئلت كل الشعوب العربية هذا السؤال؛ أي الموقفين أفضل؟ شاب يرى صديقه في عراك مع أحد فيدخل من باب الحمية في ضرب خصم صديقه قبل أن يستوضح الأمر؟ أو شاب يفصل بين المتعاركين أولا، ثم يستجلي أسباب الخصومة ثم يصدر حكمه؛ إما بتخطئة أحدهما أو تحميل الطرفين نسبا متفاوتة من المسؤولية؟ بالتأكيد الكل سيجيب بعقلانية: التصرف الثاني. ولن يختار التصرف الأول إلا من يؤمن بقول الشاعر العربي:

وما أنا إلا من غزية إن غوتْ

غويت وإن ترشدْ غزية أرشد

قضية الجيزاوي، الذي تقول السلطات السعودية عنه إنه دخل البلاد ومعه كمية من الحبوب المخدرة المحظورة، لم تقدم للمحاكمة بعد، ومع ذلك وعلى طريقة «خناقات الشوارع»، حصلت أخطاء من شريحتين (محصورتين محدودتين) في الشعبين المصري والسعودي؛ ففي الجانب المصري كان الخطأ القاتل قيام بعض المتظاهرين بالتهجم على مبنى السفارة، هذا لن يقبله شرع ولا عرف ولا قانون حتى لو صدر حكم القضاء السعودي بتجريم الجيزاوي، فكيف يبرر هذا التصرف اللاحضاري والقضاء لم يقل كلمته بعد؟ والخطأ في الجانب السعودي، وهو أيضا محصور محدود، كان في عبارات وأوصاف غير مسؤولة صدرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيها تعميم ظالم حمل الكل بجريرة القلة.

وكان الأمر سيبقى محتملا لو أن الأمر انحصر في الفئات المتشنجة غير العاقلة، فهذه لا يخلو منها أي شعب في الدنيا، لكن المصيبة أن يلغ في جحيم العبارات العنصرية البذيئة والتعميم الظالم قلة من المثقفين وكتاب الصحف في الطرفين لتغيب اللغة الهادئة التي تسكب ماء التعقل على نيران البغضاء والعداوات. وكان حظا عاثرا للشعبين السعودي والمصري أن يتزامن وقت القبض على الجيزاوي مع اشتداد حمأة سباق الانتخابات الرئاسية المصرية ليحشر الموضوع في مزايدات غير مقبولة تبتغي كسب أكبر شريحة انتخابية، كان أحدها من المرشح الرئاسي عمرو موسى الذي طالب بالإفراج عن الجيزاوي وهو يعلم أن القضية لم تُعرض على القضاء بعد، وكذلك حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين الذي أكد أن الجماهير التي تظاهرت أمام السفارة السعودية خلال الأيام الماضية كانت تعبر عن رغبة المصريين في الحفاظ على كرامة مواطنيهم في الدول العربية، لكنه لم يندد بالاعتداء على مبنى السفارة السعودية.

الوجه المشرق في الموضوع أن هناك شريحة كبيرة في الطرف المصري طالبت السلطات السعودية، وبطريقة حضارية، بمنح الجيزاوي كامل الحق في محاكمة عادلة، وتمكين محامين للمرافعة عنه، وفي ذات الوقت نددت بما فعلته «قلة» من المصريين أمام السفارة السعودية، وهناك شريحة كبيرة من السعوديين حصروا تجريم الاعتداء على السفارة في المجموعة الضالعة فيه وحفظت لشعب مصر حبه وتقديره وهاجمت الذين عمموا في أحكامهم الظالمة، المؤسف أن «القلة» من أصحاب العبارات المتشنجة والتنابذ بالألقاب الشعوبية العنصرية هم الأعلى صوتا والأكثر ضجيجا.

[email protected]