الإجابة هي النمو.. لكن عن أي سؤال؟

TT

قضى كتاب الصحف في كثير من الدول أسبوعا آخر في نشر الاكتئاب مع استمرار المشكلات التي يعاني منها اقتصاد بعض الدول.. ماذا إذن؟ لن تحل الأزمة أبدا عما قريب، والجميع يعلم ذلك جيدا. لن ينتهي العالم، فالعمل لا يزال مستمرا وهناك تفاؤل بشأنه. يبدو أن تحقيق النمو الحقيقي يتطلب وقتا أطول، لكن نبأ تراجع بريطانيا إلى مرحلة ركود اقتصادي يبعث على القلق لا الرعب.. ومع ذلك، فإن النمو في تقدم.

يأتي هذا النبأ السار من مطار هيثرو ذي الممرين في لندن الذي لا يزال محتفظا بالرقم القياسي. وقد أوضحت الأرقام الأخيرة الني نشرتها هيئة «بي إيه إيه» المالكة لمطارات لندن أن المطار تمكن من التعامل مع 70 مليون راكب للمرة الأولى في تاريخه في العام الذي انتهي في مارس (آذار) 2012. وقال كولين ماثيوز، الرئيس التنفيذي لـ«بي إيه إيه»: «يعد وصول 70 مليون راكب إلى مطار هيثرو حدثا كبيرا يوضح قدرة المطار على التعامل مع المشكلات في بيئة تواجه تحديات اقتصادية. وأدت الزيادة في عوامل الحمل إلى ذلك.. مع ذلك، لا يزال المطار يعمل بـ99.2 في المائة من كفاءته، مما يمثل قيودا على قدرة شركات الطيران على توفير رحلات إلى الدول ذات الاقتصادات الناشئة وهو أمر ضروري لنمو الاقتصاد البريطاني». لقد تم تجاوز رقم الـ60 مليونا الذي سُجل عام 1998. وهناك مؤشر آخر على الثقة الكبير في الاقتصاد البريطاني وهو طلب عملاء من الشرق الأوسط مني ومن زملائي في «ألترا كابيتال» مساعدتهم في العثور على فنادق فخمة واستثمارات أخرى في لندن ومدن بريطانية أخرى والاستحواذ عليها.

من الجيد أيضا معرفة أن «بريتيش كول» أكبر شركة منتجة للفحم أعلنت الأسبوع الحالي عن عودتها إلى تحقيق أرباح مرة أخرى.

أما في ما يتعلق بقضية الشراكات، فأرى أن مؤسسة «السير روبرت مكالبين» البريطانية التي أسست منذ 140 عاما والتي شيدت الكثير من المعالم المعمارية البارزة، منها فندق «دورشستر» و«استاد الإمارات» مقر تدريب فريق آرسنال، سوف تتولى العمل في المشروعات الأكثر تأمينا في بريطانيا وهي السفارة الأميركية الجديدة. وسوف تشارك مؤسسة «مكالبين» شركة «بي إل هاربرت إنترناشيونال» الأميركية في برمنغهام في ولاية ألاباما في مشروع أرباحه 650 مليون جنيه إسترليني في «ناين إلمز» بالقرب من باتريسي بارك حيث سيتم نقل السفارة عام 2017. وظلت السفارة الحالية في ميدان غروسفينور لثمانين عاما.

نجاح «مكالبين» يعني عملها في مشروعي بناء كبيرين في لندن العام الحالي بعد عقدها اتفاق لبناء مقر «بلومبيرغ» الجديد. مع ذلك، ما زالت الأزمة الأوروبية مستمرة وهي في الواقع ثلاثة أزمات معا كما قيل الأسبوع الماضي. هناك الكثير من التنويعات على أزمة الديون السيادية، حيث يعاني كثير من الدول من عجز كبير في الميزانية، مع وجود بعض الاختلاف، فعلى سبيل المثال، يكمن الاختلاف بين فرنسا وبريطانيا في أن أكثر من 20 في المائة تقريبا من قروض بريطانيا أجنبية، في حين أن قروض فرنسا الأجنبية تتجاوز 58 في المائة. يبدو أن ثقة الأجانب خلال الأوقات العصيبة تكون أكبر من ثقة حاملي الأسهم المحليين. ويكثر الحديث عن إصلاح سياسي وبيانات اقتصادية قاتمة في الأسواق الأوروبية الأسبوع الحالي، مع زيادة قلق المستثمرين من مستقبل أوروبا.

ومثّل النجاح المتوقع للمرشح الاشتراكي للرئاسة في فرنسا، فرانسوا هولاند، بالفعل ضمانة لبداية قوية للأسبوع. واتسع الفارق بين السندات الفرنسية والألمانية إلى 147 نقطة، بينما ازدادت مبادلات مخاطر الائتمان في هولندا. وخسر مؤشر «إف تي إس يورو فيرست 300» 2.3 في المائة، مما يعد أدنى مستوى له منذ منتصف شهر يناير (كانون الثاني). كان للمزاج القاتم المتشائم تأثير على السلع، حيث تراجع خام برنت بنسبة 0.56 في المائة وانخفض النحاس بنسبة 1.97 في المائة. كذلك انخفض سعر أوقية الذهب إلى 1630.89 بنسبة تزيد على الاثنين في المائة الشهر الحالي.

عادة ما أتحاشى الحديث عن السياسة في مقالاتي، لكن يمكن اعتبار مقال الأسبوع الحالي استثناء. تحتاج فرنسا إلى إصلاح، رغم أن هذا غير مذكور في برامج المرشحين الرئاسيين، حيث لا يزال الارتفاع مستمرا في الديون الحكومية، ولم تشهد الحكومة فائضا في الميزانية منذ 35 عاما، وتعاني المصارف من قلة رأس المال، ولم يحدث انخفاض في معدل البطالة المزعج.

لا يقدم برنامج هولاند حلولا لكل هذه الأمور، خاصة بالنظر إلى تبني دول الجوار إصلاحات حقيقية. إنه يتحدث كثيرا عن العدالة الاجتماعية، لكنه نادرا ما يتحدث عن الحاجة إلى توفير الثروة. إنه يتعهد بخفض عجز الميزانية، إلا إنه يعتزم تحقيق ذلك من خلال زيادة الضرائب لا خفض الإنفاق. لقد وعد هولاند بتوفير فرص عمل لستين ألف معلم، ويعني هذا إهدار 20 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة. يمكن القول إن الاشتراكي هولاند، الرئيس الفرنسي المقبل على الأرجح، سيكون وبالا على بلاده وعلى أوروبا. ربما سنرى نزوح أفضل وأذكى رجال وسيدات أعمال فرنسيين إلى لندن حيث سيرحب بهم.

طريق النجاح سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو أي مكان آخر هو النمو، وقد كتبت كثيرا عن فرص العمل التي يمكن أن توفرها مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويعد التعاون ضروريا من أجل تحقيق النمو الاقتصادي في أي دولة، وهذا هو الطريق نحو تكوين الثروة كما يوضح التاريخ.

لقد حققت المملكة المتحدة نموا من خلال الصناعات، مثل صناعتي الصوف والنسيج في يورك شاير، حيث ستساعد كل منهما الأخرى، من خلال استضافة عاملين لدى شركات منافسة في إطار برنامج لتبادل الخبرات لتعزيز مهاراتهم. هناك عولمة اليوم في العلامات التجارية والأسواق، ولن ينتهي هذا. تعني التكنولوجيا وجود طرق جديدة مبتكرة للعمل في إطار نموذج مختلط حيث يمكن للشركات تقاسم تكاليف التطوير وتحديد أسعار النماذج والمعايير. وأوضح نيغل نيكولاس من كلية الأعمال في لندن مؤخرا مدى التنافس الشرس بين «مايكروسوفت» و«آبل» في الكثير من الأسواق، لكنهما قضيا فترة طويلة تساعد كل منهما الأخرى. ويمكن لفكرة التعادل في المزايا التنافسية أن تدمر القيمة مثلما تنجح في إرسائها.

وطرحت مجلة «مانجمنت توداي» الغراء مؤخرا جدالا حول التوسع في الهندسة. وانتهت إلى أهمية خفض النفقات، لكنها أوضحت أن النمو هو الطريقة الوحيدة لاستعادة اقتصاد دول مثل بريطانيا عافيته. وينطبق هذا على اقتصاد كل الدول، ويتطلب ذلك في الدول الناضجة اقتصاديا مثل بريطانيا المزيد من المنتجات والأفكار الجديدة وجيلا جديدا من المبدعين المدربين الماهرين. ولا يجب الخلط بين التصنيع والهندسة، حيث يتطلب كل منهما مهارات ومواهب مختلفة. من الضروري إدراك كيفية استغلال التعهيد الاستغلال الأمثل.

خلال هذا الجدال، أكد مارتن ماكورت، الرئيس التنفيذي السابق لـ«دايسون» والشريك الحالي في «مونتغيه برايفيت إكويتي»، الاختلاف في القيمة بين ابتكار منتجات جديدة وتصنيعها. ولا يعير اهتماما لمكان صناعة المنتج. وتعين شركة «دايسون» حاليا المزيد من العمال في بريطانيا منذ أن نقلت التصنيع إلى الشرق الأقصى منذ أحد عشر عاما. وصرح بول شتين، كبير المسؤولين العلميين في شركة «رولز رويس»، بأن الشركة لديها الكثير من منتجاتها في مختلف أنحاء العالم وأن منتج «رولز رويس» النموذجي يتطلب مستوى عاليا من التصنيع. وأوضح أن التصنيع يتطلب مهارة ومن الصعب إنجازه. ولا تصنع كل الأشياء في الخارج. وتستخدم «رولز رويس» بعض أجزاء الماكينات في التصنيع، ويظل تصنيع أنصال التوربين من الكريستال المعدني سرا من أسرار الشركة. وقال: «لن تتخلى (رولز رويس) أبدا عن هذا النوع من الملكية الفكرية». ويعد التوصل إلى تكنولوجيا جديدة فرصة كبيرة لبريطانيا، وكذلك دول الشرق الأوسط بوصفها مكانا للاستثمار ولحاجتها الماسة إلى مشروعات محلية. هناك ثلاث طرق لتحقيق نمو صناعي؛ هي: تطوير الشركات الموجودة، وتأسيس شركات جديدة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة. الإجابة إذن هي النمو، لكن هل تتذكر السؤال؟

* أستاذ زائر في جامعة

«لندن ميتروبوليتان»

ورئيس «ألترا كابيتال»